»

ورقة معلومات عن الكنيسة الأرثوذكسية في القدس

08 كانون الاول 2017
ورقة معلومات عن الكنيسة الأرثوذكسية في القدس
ورقة معلومات عن الكنيسة الأرثوذكسية في القدس

محمد أبو طربوش. مؤسسة القدس الدولية 2017

تعتب قضية  الكنيسة الأرثوذكسية في القدس من القضايا القومية الساخنة، ومن غير المتوقع حلها في الظروف السياسية السائدة، خاصة في ظل الأنباء التي تتحدث بين الحين والآخر عن بيع الأوقاف المسيحية في الأراضي الفلسطينية، ولذا فإننا نضع بين أيديكم ورقة معلومات للاستفادة منها في شتى الجوانب الإعلامية، وتتضمن أبرز المعلومات الأساسية عن الكنيسة الأرثوذكسية والتسريبات التي تتعرض لها أوقافها، كونها قضية ينبغي تسليط الضوء عليها لانعكاساتها السلبية على قضية القدس ومقدساتها.

وجود متجذر في عمق التاريخ

الوجود المسيحي في القدس متجذر في عمق التاريخ ففي بيت لحم القريبة من القدس، كانت ولادة السيد المسيح، وفي المدينة المقدسة كانت انطلاقة الدين المسيحي، وفي أرجائها شهد العالم «الاحتكاك» التاريخي مع اليهود وتآمرهم على السيد المسيح، ثم اضطهادهم لأتباعه، الأمر الذي جعل من المسيحية عقيدة سرية إلى أن  ا للإمباطورية الرومانية ًّا عامًعلنت دينُ أ الواسعة في عهد الإمباطور قسطنطين، م، 320 فزارت أمه الملكة هيلانة للقدس عام حيث شيدت كنيسة القيامة، وقد أنشأ قسطنطين مدينة القسطنطينية ورسم لهم ا لبطاركة الإسكندرية ًا مساوي ًبطريرك وأنطاكية في المرتبة، وقد عرف أتباع هذه الكنيسة بالروم الأرثوذكس، ويبدو أن أول من أطلق عليهم هذه التسمية هم المؤرخون العرب. بعد انقسام الكنيسة إلى شرقية وغربية في القرن الحادي عشر الميلادي، صارت الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين تتبع ا ًبطريركية القسطنطينية، لكنها حافظت على صلاتها بروما، ثم أخذت الكنائس تستقل شيئ ا لأسباب دينية أو سياسية أو قومية،  وقد توزع الأرثوذكس إلى عدة كنائس هي اليوم: ًفشيئ القبطية في مصر- الحبشية في الحبشة، –الكنيسة اليونانية البيزنطية- الأرمنية - السريانية وجميع هذه الكنائس ممثلة الآن في القدس وفي كنيسة القيامة خصوصا الكنائس قليلو العدد في المدينة، عدا أتباع الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية التي يعرف أتباعها باسم الروم الأرثوذكس، ويتبعها معظم مسيحيي فلسطين، وهي كنيسة مستقلة تنتمي إلى الكنائس البيزنطية التي تستعمل اللغة اليونانية، والتي تعود صيغة الصلوات فيها إلى تقاليد بيزنطية، حيث كانت تعرف في الماضي باسم الكنيسة الملكية، وكان أتباعها من اليونان والعرب  من ًالمتأثرين بالحضارة اليونانية، وقد استقرت اللغة العربية فيها مع الفتح العربي لأن عددا بطاركة القدس وأساقفة الأبرشيات في فلسطين كانوا من السوريين أو الفلسطينيين وكانوا يتقنون العربية واليونانية. 

عربية في أصلها، يونانية الآن

رئاسة الكنيسة من قبل رجل دين يوناني لم تكن هي الأصل، فقد بدأت سيطرة رجال الدين م في عهد 1534 اليونان على رئاسة بطريركية القدس عب جمعيتهم القب المقدس عام السلطان العثماني سليم الأول، أما في الحقبة الممتدة من عصر المماليك إلى تاريخ سيطرة  ،ً جمعية أو أخوية القب المقدس على الإكليروس، فقد كان معظم الرهبان والأساقفة عربا )، لكن الرهبان 1534-1505وكان آخرهم البطريرك عطالله المعروف باسم دوروتاوس الثاني ( ًاليونان كانوا يتوافدون على القدس بكثرة أيام الدولة العثمانية، وقد كان اليونان جزءا من هذه الدولة في ذلك الحين، وكان مركز البطريركية الأرثوذكسية في القسطنطينية، لوا أغلبية الرهبان والأساقفة في القدس وتولوا مقاليد ّ شكً رويداًوبطاركتها من اليونان، ورويدا الحكم والسيطرة على البطريركية، من خلال جمعية القب المقدس، وقد نقل البطريرك ) مقر البطريركية من القسطنطينية إلى القدس. 1872-1845كيرللس الثاني ( حاولت الدولة العثمانية تصحيح الأوضاع في الكنيسة لكن تدخلات اليونان 1908في نهاية عام  وانهارت الدولة 1918 - 1914لت الإصلاحات، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى ّوالروس أج لتقضي على عملية الإصلاح تلك.

بنيتها وأهميتها

تتكون كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس من ست مطرانيات في قيصرية وبيسان والبتراء وعكا وبيت لحم والناصرة، وهناك ستة مراكز لرئيس الأساقفة. يساعد البطريرك في رئاسة الكنيسة مطران في الناصرة وآخر في عمان، بالإضافة إلى المجمع  برتبة أسقف أو أرشمندريت، وهو المجمع الذي ً عضوا18المقدس أو السينودوس المكون من تسيطر عليه أخوية القب المقدس التي يحمل كل أعضائها الجنسية اليونانية، إضافة إلى  من العرب واليونان ينتخب لمدة ثلاث سنوات، وفي دار ً عضوا15مجلس مختلط مكون من البطريركية في القدس محكمة كنسية تنظر في شؤون الرعايا الأرثوذكس بموجب قانون ، جميع طلابها من اليونان، 1855الأحوال الشخصية، إضافة إلى مدرسة لاهوت تأسست سنة ودير القديسة هيلانة، ومكتبة قديمة تحوي مخطوطات ثمينة. 

معركة تعريب الكنيسة

  للتخلص من السيطرة اليونانية على كنيستهم، وقد ًخروا جهداّأبناء الكنيسة العرب لم يد أجبوا حكومة الاحتلال البيطاني على تشكيل لجنة تحقيق لهذه الغاية. اللجنة اعترفت في ل ّ ز الحكومة البيطانية ضد كل ما هو عربي عط ّتقريرها بحقوق العرب ومطالبهم، لكن تحي التنفيذ.  ا بالحكومة الأردنية، فوضعت في ًبعد النكبة بات الإشراف على الضفة الغربية والقدس منوط باسم «قانون البطريركية الأرثوذكسية» ينص على إقامة مجلس ً جديداً قانونا1957عام مختلط من رجال الدين وممثلي الطائفة من العلمانيين، للإشراف على كل ممتلكات وأموال  12الكنيسة، والمعهد التعليمي لرجال الدين، وكان تمثيل العلمانيين العرب في هذا المجلس  سيطرت بموجبه 1958، ولأسباب غير مفهومة عادت الحكومة إلى وضع قانون جديد عام ًممثلا جمعية القب المقدس في شكل كامل. ، حيث لا تزال دولة الاحتلال ترى أن من مصلحتها ً ازداد الأمر سوءا1967إثر النكسة عام الإبقاء على السيطرة اليونانية في إطار مشروع التهويد المستمر، ويأخذ المسيحيون العرب اليوم على السلطة الفلسطينية حيادها السلبي، في حين كان الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس وزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية يقود التظاهرات المطالبة بحقوق العرب الأرثوذكس باتجاه مبنى البطريركية الأرثوذكسية في الثلاثينيات من القرن الماضي . 

الأوقاف الأرثوذكسية

تمتلك الكنيسة الأرثوذكسية ربع القدس القديمة البالغة قرابة كليومتر مربع، كما  عن عقارات في ًتمتلك أراضي شاسعة، وأديرة، ومقابر، خارج البلدة القديمة في القدس، فضلا بت إلى جهات إسرائيلية، عن ّ رُ لا بأس به من هذه الأملاك سً مدن فلسطينية كبى، لكن قسما سنة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، باعت الكنيسة 99طريق البيع أو الإيجار طويل الأمد لمدة  أراضي جبل أبو غنيم ً الأرثوذكسية مقبتها، وأراضي دير مار سابا في بيت لحم، وباعت أيضا في القدس، التي تحولت إلى مستوطنة صهيونية كبيرة، باسم «هارحوما» تكمل فصل القدس رت لأجل طويل أكب مأوى لحجاج القدس من «المسكوب» أو أهل ّعن بيت لحم، وباعت أو أج ساحة ًموسكو، وعليه يقوم اليوم معتقل المسكوبية سيء الذكر، وأراضي جبل أبي طور، وأخيرا عمر بن الخطاب في البلدة القديمة في القدس.  للكنيسة، فيقول بعض المؤرخين إنها كانت ممتلكات أوقفها ًأما كيف أصبحت هذه الأملاك وقفا العرب المسيحيون في فلسطين حتى يستفاد منها لمصلحة الكنيسة خلال حقبة الإمباطورية  ً من مصادرة هذه الأراضي واعتبارها أراضي دولة من قبل العثمانيين، ووفقاًالعثمانية، خوفا %  من مساحة القسم 17 %  من مساحة غربي القدس و 18لسجلات الكنيسة فإنها تمتلك نحو %  من المساحة العامة للقدس بشطريها. المسيحيون كانوا يوقفون 35الشرقي من المدينة، أي الأملاك للكنيسة في القدس بكثرة بعد فقدان البطريركية لأملاكها الموقوفة في رومانيا  بموجب معاهدة بوخارست، وقد تكاثرت الأوقاف بشدة بعد هذا 1812بعدما ضمتها روسيا عام  إلى اليوم. ًالتاريخ، ولا يزال باب الوقف مفتوحا إلى اليوم.

رئاسة الكنيسة

اختيار البطريرك يكون من قبل أعضاء المجمع المقدس «السينودس» في الكنيسة، الذي يضم18 أسقفا وأرشمندريتا كلهم من اليونان حاليًا، ويجب أن يكون البطريرك المنتخب واحداًّ كلهم من اليونان حاليً أو أرشمندريتاً أسقفا18 للقانون ً للجنسية الأردنية، ووفقاًقى إلى رتبة بطريرك، على أن يكون حاملاّ من هؤلاء بحيث يرقى إلى رتبة البطريرك، على أن يكون حاملًا للجنسية الأردنية وفقًا للقانون الذي يحكم الكنيسة الأرثوذكسية اليوم، يصادق على هذا الانتخاب كل من الأردن والسلطة  وعام 48الوطنية الفلسطينية، باعتبار أن بطريركية القدس تشمل فلسطين المحتلة في عام  والأراضي الأردنية، وقد جرت العادة أن ترحب اليونان بانتخاب البطريرك باعتباره يحمل 67 جنسيتها، وتحتفظ سلطات الاحتلال الإسرائيلي لنفسها بحق الاعتراف بالبطريرك المنتخب،  ما تستعمل هذا الحق لابتزازه وحمله على تقديم تنازلات.

ولاية البطريرك المنتخب تكون مدى الحياة، حيث لا يجوز تنحيته إلا في حال شذوذه عن العقيدة الأرثوذكسية أو إصابته بمرض يمنعه من القيام بواجباته الدينية، أو بتصويت ثلثي أعضاء المجمع المقدس على تنحيته. هم المسيحيون العرب رئاسة البطريركية صراحة بأنها لم تكن أمينة على أملاك الكنيسة ّويت كنسية فلسطينية لمدة طويلة إلى السلطات ٍحيث تم اكتشاف عمليات بيع وتأجير أراض الإسرائيلية منذ قيامها وخاصة أيام البطريرك «فينادلتوس» في الخمسينيات من القرن  عن مضايقة الشخصيات الوطنية داخل الكنيسة مثل الأب عطا الله حنا، ويطالب ًالماضي، فضلا المسيحيون العرب اليوم السلطتين الفلسطينية والأردنية بتعديل القانون الخاص بكنيستهم، بما يتيح رفع الهيمنة اليونانية عنها.

سلطة الوصاية قانوناً على أملاك الكنيسة الأرثوذكسية

 الأردن هو سلطة الوصايةقانونا على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فقد أصدرت حكومته كتابا بعنوان: «معاهدة السلام بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل بتاريخ 1994-10-26، مما جاء فيه: «المسؤولية عن الأوقاف والمقدسات في القدس مسؤولية مقدسة حملها الهاشميون منذ عام 1924، وعندما فك الأردن الارتباط الإداري والقانوني بالضفةالغربية لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 لم يشمل ذلك الأوقاف والمقدسات، حرصا من الأردن على الحفاظ عليها وخدمتها وصيانتها، وبطلب من الجانب الفلسطيني، وعند انتقال السيادة للفلسطينيين على المدينة المقدسة، فستنقل مسؤولية الأوقاف والمقدسات فيها من  العهدة الأردنية الهاشمية إلى العهدة الفلسطينية» ، كما نصت المادة 9 من اتفاقية وادي عربة في 1994-10-26 في بند الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية على ما يأتي: 

تعتبر البطريركية الأرثوذكسية أكبر الكنائس رعية وأوقافا وأملاكًا، إذ تمتلك الكنيسة ًالأرثوذكسية ربع البلدة القديمة التي تبلغ مساحتها قرابة كليومتر مربع، كما تمتلك  أراضي شاسعة، وأديرة، ومقابر، خارج البلدة القديمة فضلا عن عقارات في مدن فلسطينية كبىرى كبيت لحم وبيت جالا والناصرة ، إلا أن هذه الأوقاف استهدفت من قبل الهيئات والسلطات الصهيونية منذ أواخر الحرب العالمية الأولى، وبشكل خاص منذ حرب سنة 1948، فبيع قسم كبير منها، أو جرى تأجيره لمدد طويلة معظمها يصل إلى 99 سنة، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، باعت الكنيسة الأرثوذكسية مقبرتها، وأراضي دير مار سابا في بيت لحم، وباعت أيضا أراضي جبل أبو غنيم في القدس، التي تحولت إلى مستوطنة من كبريات مستوطنات الطوق الخارجي حول القدس باسم «هارحوما»، بهدف فصل القدس عن بيت لحم، وباعت أوأجّرت لأجل طويل أكبر مأوى لحجاج القدس من «المسكوب» أو أهل موسكو، وعليه يقوم اليوم ّ معتقل المكسوبية سيء الذكر وأراضي جبل أبي طور وأخيراّ ساحة عمر بن الخطاب في البلدة القديمة في القدس، والتي تقع على مدخل كنيسة القيامة.

وتتمثل قضايا بيع الأوقاف الأرثوذكسية في استيلاء جماعة يهودية متطرفة على عمارة ديريوحنا بالقوة بتاريخ  1990/4/ 12 وفي أوائل عام 1991عقدت صفقة سرية لبناء 240، ٍوحدة سكنية للمهاجرين اليهود على أراض أرثوذكسية في يافا، ومحاولة الاستيلاء على 750 دونما من أراضي دير مار الياس بين القدس وبيت جالا، وجرت مراسلات بين أمين القدس روحي الخطيب ورئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية في تلك الفترة لمنع التصرف بالأراضي الوقفية ما حدا بالبطريركية إلى إصدار بيان أبدت فيه استغرابها من الضجة الإعلامية التي أثيرت حول الأراضي، وأنها لم ولن تحاول بيع شب واحد من الأراضي الوقفية وأن «إسرائيل» استولت عليها بالقوة وتم رفع قضية ضدها وأن  القضية ما زالت في المحاكم بينها وبين "إسرائيل".  

ولكثرة المخالفات من البطريركية الأرثوذكسية تم تشكيل لجنة ملكية مكونة من حازم نسيبة وكامل أبو جابر وزارت ورائف نجم وكامل حمارنه توجهت إلى فلسطين بتاريخ 1998/11/ 20 وزارت مدينة القدس وبعض المدن الفلسطينية، وعقدت سلسلة اجتماعات مع البطريرك ذيودوروس وبحثت موضوع تسريب الأوقاف إلى اليهود، وتوصلت اللجنة إلى إتفاق معه بعدم الإقدام على توقيع أي اتفاق مع شركات استثمارية أو إسرائيلية في أراضي الوقف، وعدم منح أي جهة إسرائيلية الحق في ترميم كنيسة القيامة لأن الكنيسة هي التي تقوم بهذا العمل، وسارت ُالأمور بشكل جيد إلى أن انتخب «إرينيوس الأول»2001/8/13 بطريركاعلى المدينة المقدسة في «أم الكنائس» بعد وفاة البطريرك "ذيودوروس".

البطريرك «إيرينيوس الأول» وصفقة باب الخليل

 واجه البطريرك «إيرينيوس الأول» في بداية انتخابه، مشكلة عدم اعتراف سلطات الاحتلال به ومنعه من التصرف بأملاك الوقف الأرثوذكسي، إلا أن «إيرينيوس الأول» وجد في التعاون  لتخفيف الضغط عليه، ولو كان ذلك على حساب أوقاف الكنيسة الأرثوذكسية وأملاكها التاريخية في القدس.

 مع الاحتلال سبيلا ولم يمض من وقت انتخابه عام 2001 إلى 2005 وقت طويل حتى كشفت وثائق تفيد ِ بتسريب أملاك للكنيسة إلى الاحتلال في ما عرف بـ»صفقة باب الخليل»، حيث كشفت  صحيفة معاريف العبرية في 2005/3/18 النقاب عن صفقة سرية بين الكنيسة الأرثوذكسية ّومجموعتين يهوديتين استيطانيتين، تخلت الكنيسة بموجبها عن الأراضي التي يقوم عليها، فندقا إمبيال والبتراء و27 محلا تجاريا تملكها البطريركية الأرثوذكسية في ساحة عمر بن ًّ الخطاب بمنطقة باب الخليل في البلدة القديمة بالقدس. وقد نشرت الصحيفة نفسها بتاريخ 2005/4/29 الوثائق الأصلية للصفقة والتي أظهرت أن بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية للكنيسة في القدس المحتلة لجهات يهودية بتاريخ السادس عشر من شهر آب/ أغسطس 2004 لمدة 198 سنة. . بعد ذلك بمدة وتحديدا في 2005/5/15 ُظهرت تفاصيل جديدة تبين أن الشخص الذي سربت إليه أملاك الكنيسة الأرثوذكسية يدعى متتياهو دان وهو ناشط في منظمة «عطيرت كوهنيم» اليهودية ، وقد نشط في السنوات الأخيرة  في شراء بيوت فلسطينية في الحي الأخرى في البلدة القديمة في القدس.

 وتكمن خطورة هذه الصفقة في أنها تستهدف خلق امتداد بين الوجود الاستيطاني اليهودي في غرب القدس، والبؤر الاستيطانية الأخرى الموجودة داخل البلدة القديمة شرق القدس،  في سوق الدباغة، حيث مبنى دير مار يوحنا، وفتح طريق جديد لليهود المستوطنين باتجاه البلدة القديمة عدا الطريق القائم حاليا من ناحية حي الأرمن وصولاً لما أصبح يعرف بـ" الحي اليهودي".

 غير أن المواقف والتحركات التي قام بها الفلسطينيون الأرثوذكس أدت إلى حمل "أخويّة القبر المقدس"  على اتخاذ قرار عزل البطريرك، وتاليا مصادقة السلطات الفلسطينية والأردنية على هذا القرارفي 2005/5/10 وترحيب اليونان بانتخاب بطريرك حتى لا تتفاقم الاحتجاجات باتجاه تعريب الكنيسة.

البطريرك «كيريوس ثيوفيلوس الثالث» وصفقة دير مار الياس

 بعد عزل «إيرينيوس الأول» انتخب «كيريوس ثيوفيلوس الثالث» بطريركاُ للمدينة المقدسة في عام 2005، وقدم وعودا بإبطال صفقة تسريب الأملاك للاحتلال، لكن تداعيات صفقات البطريرك المخلوع إيرينيوس ظلت تستمر، حيث انكشفقت ملابسات خطيرة لهذه الصفقة، بعد أن اتضح أن البطريرك «إرينيوس الأول» كان قد منح المسؤول المالي في حينه، نيكولاس ًباباديمس بالتصرف بأملاك الكنيسة كافة، وبكامل التفويض والصلاحيات من البطريرك. وبعد الكشف عن الصفقة كان باباديمس قد توارى عن الأنظار، ولم تتكمن أي جهة من معرفة أو حصر الصفقات والعقود التي أبرمها خلال الفترة التي كان يحمل فيها هذا التفويض، وهي فترة طويلة امتدت لسنوات، كانت إحدى هذه الصفقات الصفقة الطالبية، والتي عرفت في وسائل الإعلام ب"صفقة دير مار الياس" والتي منح بموجبها البطريرك المخلوع في 14/12/2007 حق تطوير 71 دونما في منطقة الطالبية على طريق القدس-بيت لحم بمحاذاة الخط الأخضر لشركة «بارا» الاستيطانية الإسرائيلية،B.A.R.A Company   وفي 9/8/ ّ كشفت مصادر فلسطينية أن البطريرك الجديد «ثيوفيلوس الثالث» قد وقع على عقد تطوير جديد للأرض ذاتها لمصلحة شركة تلبيوت الجديدة التي يملكها الصهيوني اليساري "شراغا بيران". ويصر البطريرك ومستشاروه القانونيون أن هذا كان الحل الوحيد المتاح أمامهم لاستعادة هذه الأرض فهو بهذه الطريقة أدخل شركة إسرائيلية جديدة لكن مع عقد بشروط أفضل لمصلحة الكنيسة، لينشأ نزاع بين ّالشركتين تستفيد منه الكنيسة ولكن المحصلة تبقى في الحالتين أن شركة إسرائيلية قد ٍحظيت بعقد لتطوير المنطقة وما تزال الصفقة حتى اليوم مثار جدل واسع .

 وقد حذر أعضاء من المجلس الأرثوذكسي في فلسطين والأردن من خطورة صفقة «مار الياس»، التي عقدها البطريرك «كيريوس ثيوفيلوس الثالث» مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تضمنت تسريبات لأراضي دير مار الياس إضافة إلى أملاك البطريكية ووقفها الخاص بين القدس المحتلة ومدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية إلى سلطات الاحتلال. حيث تبين هذه الصفقة شكلت بنية تحتية لست مستوطنات في غلاف مدينتي القدس وبيت لحم، إضافة  ًإلى المشروع الفندقي الذي سيضم عددا من الفنادق بعدد كبير من الغرف يصل إلى 1200 غرفة للفندق الواحد، ما سيجعل من هذا المشروع ضربة قاصمة لاقتصاد مدينة بيت لحم، إضافة إلى وجوده في مكان استراتيجي يطل على معظم المناطق والبلدات في المدينتين.

 ًولن يتوقف المشروع عند المجمع الفندقي بل سيكون تمهيدا لشق طرقات تؤدي إلى تجمعات استيطانية جديدة، جميعها ستقام في نطاق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والتي تدخل في حدود السلطة الفلسطينية، وقد أكد عضو المجلس الأرثوذكسي عدي بجالي «أن البنى التحتية لتلك المستوطنات تمت بموافقة المسؤولين عن البطريركية، كونه لم تجر أية عملية مصادرة من الاحتلال لتلك الأراضي، سوى أنه وتحت هذا المسمى تتآمر البطريركية  مع السلطات الإسرائيلية لتسريب هذه الأملاك والتي تبلغ 20 في المئة من الأوقاف الدينية بمختلف أطيافها سواء كانت مسيحية أم مسلمة».

 وتوالت تحذيرات أعضاء المجلس الأرثوذكسي من خطورة بناء الفنادق الإسرائيلية مع تنفيذ هذا المشروع، حيث ستتحول بيت لحم إلى مجرد مزار لملايين السياح الأجانب على مدارالعام، كون المشروع الفندقي والمستوطنات التي ستقام هي المستفيد الوحيد من الزوار من خلال استقطابهم وجذبهم إلى خدماتهم ومشاريعهم السياحية، بينما لن يكون أمام أصحاب الفنادق السياحية في بيت لحم سوى خيارين، الأول هو العمل على استئجار الفنادق والمحال التجارية السياحية من الإسرائيليين أصحاب المشروع الفندقي الذي سيكون على مشارف المدينة، أو الخيار الثاني وهو الهجرة والبحث عن مصادر رزق خارج فلسطين.

واستمر مسلسل التسريب السري للعقارات حيث كشفت صحيفة «كالكليست» العبرية  والتي تعنى بالشؤون الاقتصادية النقاب عن صفقة تم بموجبها بيع أراض تابعة للكنيسة الأرثوذكسية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة وتشمل أراضي ًالطالبية المحاذية لأرض حديقة الجرس التي كانت سابقا عقار ملك البطريركية، وعلى هذه الأرض مقام 1500 عقار إضافة إلى قطع أراض كثيرة غير مستغلة، يجري استئجارها بموجب عقود تنتهي عام 2052 ، وتبلغ مساحة الأراضي المسربة خلال الصفقة نحو 500 دونم وهي أراض وقفية تابعة للكنيسة وقد نقلت ملكيتها إلى بلدية الاحتلال في القدس المحتلة، وأشارت الصحيفة أن «بلدية القدس ستخصص هذه الأرض لمستثمرين ورجال أعمال يهود»، وهو ما يعتبر تكرارا لصفقة مماثلة جرت قبل نحو عامين حين باعت كنيسة كاثوليكية، نحو ألف دونم لشركة «إسرائيلية». ويتضح من مستندات القضية، بموجب ما كشفت عنه الصحيفة إلى شركة باسم «يانوت قومميوت لهشكعوت» بواسطة المحامي نوعم بن دافيد ولم يتم الإفصاح عن أصحابها.

وتشير التقديرات إلى أن ملكية الكنيسة بيعت مقابل 38 مليون شيكل(10.8 مليون دولار)  يضاف إليها مبلغ 76 مليون شيكل (22مليون دولار) دفعته عام 2011 شركة أخرى يشرف عليها محام "إسرائيلي".

 كما أشارت مصادر إلى أن البطريرك باع قبل عدة أشهر ألف دونم من أراضي البطريركية في  قيساريا على ضفاف شاطئ بحيرة طبريا  وبأثمان بخسة.

من جهتها، أوضحت بطريركية الروم الأرثوذكس أنها «لم تقم ببيع أراض أو عقارات كانت  بحوزتها أو تحت تصرفها في الأراضي المحتلة"، وقالت إن الحديث يدورعن 528 دونم أرض وهي موزعة على عدة مناطق وتم تنظيم السواد الأعظم من هذه الأراضي من قبل السلطات  ًالإسرائيلية مرافق عامة وحدائق للبلدية وشوارع ومقابر ومسارا لسكة الحديد وعلى جزء آخر منها أقام الإسرائيليون عليها أبنية سكنية، كما أقيم على بعض تلك الأراضي مبنى الكنيست الإسرائيلي والمحكمة العليا والمكاتب الحكومية وأحياء سكنية اخرى، وأن كل ما قامت به البطريركية اليوم هو إنقاذ حقها المالي واستخدامه للحفاظ على وجودها من أجل خدمة وحماية أراضيها وممتلكاتها ومقدساتها الدينية في البلدة القديمة ومناطق 67 التي تهددها يوميا المؤامرات الشرسة والضغوطات والضرائب الباهظة المفروضة عليها من قبل «اسرائيل» وذلك قبل فوات الآوان.

خاتمة

 إن التفريط المستمر في أوقاف الكنيسة وتسريب أملاكها للاحتلال، أدى إلى توسع الفجوة بين الرعية الأرثوذكسية وبين الإكليروس اليوناني القائم على شؤون البطريركية، ومع الوقت اشتدت حركة المطالبة بتعريب الكنيسة والحفاظ على أوقافها من قبل الأرثوذوكس العرب الضين وجهوا  أنظار السلطات والشعب العربي إلى الأخطار الكبيرة الناجمة عن فقدان العرب ًالسيطرة على هذه الأوقاف، خصوصا أنها تستعمل من قبل السلطات الإسرائيلية كمواقع للاستيطان وإثبات الوجود، وبشكل خاص في المدينة القديمة عند كنيسة القيامة أقدس بقعة على الأرض بالنسبة للمسيحيين.