»

القلق الإسرائيلي من التفاهم الروسي-الأميركي في سوريا

17 آب 2017
القلق الإسرائيلي من التفاهم الروسي-الأميركي في سوريا
القلق الإسرائيلي من التفاهم الروسي-الأميركي في سوريا

إعداد: مركز القدس للشؤون العامة 2017 - ترجمة: مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير U-Feed

مركز القدس للشؤون العامة

يُعرف مركز القدس للشؤون العامة على أنه  مركز أبحاث مستقل رائد في "إسرائيل" متخصص في الدبلوماسية العامة والسياسة الخارجية. تأسس عام 1976، وينتج المركز مئات الدراسات والمبادرات من قبل كبار الخبراء على مجموعة واسعة من المواضيع الاستراتيجية.

الباحث

"يوسي كوبيرواسر "هو مدير مشروع التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط في مركز القدس. وكان سابقا المدير العام لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية ورئيس شعبة البحوث في المخابرات العسكرية للجيش الإسرائيلي.

مقدمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

انطلاقًا من رسالة ورؤية مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير U-Feed في دعم المؤسسات الإعلامية بالأبحاث والمعلومات والتحليلات حيث يعد الدراسات التي تنتجها مراكز الأبحاث والدراسات الأجنبية موردًا مهمًا لزيادة فهم طريقة تفكيرهم وأسلوب عملهم، رصد المركز دراسة أعدها "مركز القدس للشؤون العامة" موسومة بـ" القلق الإسرائيلي من التفاهم الروسي-الأميركي في سوريا"، حيث يجد فائدة في قراءتها وتحليلها ومقارنتها مع معطيات أخرى لوصول إلى تشكيل رؤية أوضح عن الموضوع.

قام المركز بترجمة الدراسة وتدقيقها ووضعها بين أيديكم، علمًا بأن كل ما يرد في هذه الدراسة من مصطلحات وأفكار ونتائج تعبر فقط عن رأي المركز الذي نشرها.

المقدمة

حظي الاتفاق الذي تم توصل إليه في اجتماع العشرين في قمة همبورغ بين الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الروسي بوتين في 7 تموز/يوليو 2017 المتعلق بتأسيس منطقة "خفض التصعيد" في جنوب غرب سوريا على قبول ممزوج بقلق عند الإسرائيلي.

رحبت القدس في طبيعة الحال، بالاستقرار في جنوب سوريا. لكن في المقابل، أعرب رئيس الوزراء نتانياهو عن قلقه حيال الاتفاق، على وجه الخصوص لأنه يركز على منطقة "خفض التصعيد". إذ يشرّع هذا الاتفاق الوجود الإيراني والقوى الدعومة منها لفترة طويلة في المنطقة، التي يسيطر عليها نظام الأسد.

تكمن الشكوك الإسرائيلية حيال السياسة الأميركية في العمل على قرار ترامب في الحد من مساعدة الولايات المتحدة للجماعات المعارضة، التي كانت مدعومة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية.

بالإضافة إلى قلق إسرائيل من التقارير الحديثة التي تتحدث عن التفاوض الروسي الأميركي، الذي يسمح بدوره بقاء الأسد بقوة ويضمن تقسيمًا مناسبًا للمنطقة بين الأسد وأنصاره من جهة والقوى التي تنسق مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.

 

القلق الاسرائيلي حيال الوجود الإيراني في سوريا

يظهر القلق الإسرائيلي في 5 نقاط رئيسية تتعلق بالإستحكام الإيراني في سوريا.

نقطتان منهم تمثلان القلق الفوري، حيث تعتبرهما إسرائيل كـ"أسلاك تعثر"  في حال تعثرت بها سوف تتدخَل، وهما :

1- الجهود الجارية بين إيران وحليفها حزب الله لتحويل الجزء الشمالي لمرتفعات الجولان -بمساعدة  حلفائها- إلى قاعدة لإطلاق النشاطات الإرهابية ضد إسرائيل. في خلال الحرب الأهلية السورية واجهت إسرائيل الجهود الإيرانية من أجل تأسيس منصة لإنطلاق الهجمات الإرهابية  في شمال مرتفعات الجولان، من خلال ردة فعل حاسمة إحباط هذه المحاولات.  على ما يبدو أن الإيرانيين قد تلقوا الرسالة، إذ أصبحوا أكثر حذرًا بما يتعلق بهذه القضية.
2- الوجود الإيراني في سوريا الذي يعزّز نقل المعدات العسكرية لحزب الله في سوريا، بما في ذلك أسلحة "كسر التعادل" ومكونات أسلحة مثل :

أ- صواريخ موجهّة دقيقة إيرانية الصنع مثل "فتح -110" و صواريخ من العيار الثقيل.
ب-  صواريخ الأرض-بحر المصنّعة في إيران والصين وروسيا (C-704, C-802"ياخنوت" الصاروخ المضاد للسفن والأسرع من الصوت يصل مداه 600 كم.
ت- نظام الدفاع الجوي SA-22، ومجموعة واسعة من الصواريخ المضادة للطائرات (المصنوعة في ايران وروسيا).
ث- طائرات من دون طيّار.
ج- غواصات صغيرة(نوع غدير).
ح- صواريخ مضادة للدبابات.

بعيداّ عن ذلك، لم تتردد اسرائيل من استهداف شحنات الأسلحة تلك على الأراضي السورية. إذ صرّح رئيس الوزراء نتنياهو مؤخراً، أن إسرائيل مستعدة لـعشرات من تلك الهجمات. ففي حال تمكنت إيران من تعزيز بقائها في سوريا والأهم من ذلك من إنشاء ممر أرضي تسيطر عليه إيران يمتد من إيران  مرورًا بالعراق وسوريا ويصل إلى لبنان "الهلال الشيعي"، سيكون من السهل عليها توصيل الأسلحة بأمان أكثر. في الوقت الحالي، نظراً للحظر الإسرائيلي الجاري، بدأت ايران ببناء مصانع للأسلحة في لبنان وربما في سوريا، التي من شأنها تسهيل دعم حزب الله بالأسلحة المتطورة. (إلى حدٍّ ما هذا ما فعلته ايران مع حماس في غزة). ولكن بعيدًا عن السببين المذكورين آنفًا، يجب أن تقلق إسرائيل من الوجود الإيراني لأسباب ثلاثة أخرى لا تقل أهمية، وهي:

3-  المشروع الإيراني في تحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية إيرانية. إذ تخطط إيران لبناء قاعدة بحرية فيها و قد تنقل قوات ارية، والصواريخ، وربما طائرات إلى سوريا وهكذا بدلاً من تهديد إسرائيل عن بعد 1300كم، قد تتمركز القوات الإيرانية على عتبة إسرائيل.  وهذا قد يُحدث تغيّر جذري في طبيعة التهديد الذي يواجه إسرائيل. في الحقيقة لم تعد سوريا جارة إسرائيل من الشمال بل إيران، مستخدمةً الواجهة السورية ومتمتعةً بالحصانة.

4- التواجد الإيراني في سوريا سيُضعف يشكل قاطع العناصر البراغماتية في العالم العربي السني وسيضع المملكة الهاشمية تحت التهديد-مع الأهمية الإستراتجية الجغرافية لإسرائيل والعرب السُّنة .فهذا لا يشكل تهدّيد لإسرائيل وحسب، بل يتعدى إلى الدول العربية.

5- الكسب الإيراني من تواجدهم في سوريا واعتماد الأسد على دعمهم من أجل استمرارية نظامه والطائفة العلوية، التي ينتمي إليها، من أجل تطوير برنامجهم النووي على الأراضي السورية.   وفقًا لخطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)  تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية رصد نشاطات إيران الذرية في إيران ولكنها لا تملك صلاحية رصد نشاطها خارج إيران أو متابعة العلماء الإيرانيين. قد تستغل إيران هذه الثغرات لإجراء الأبحاث وتطوير المواد النووية ذات الصلة في سوريا.

للتذكير: منذ عشر سنوات، تمكنت سوريا من إكمال منشأة نووية سرية في دير الزور بمساعدة إيران وكوريا الشمالية. وقد تمّ تدمير المنشأة في العام 2007.

إنّ الإهتمام الروسي بهذا الإتفاق الذي تم التفاوض عليه يعكس التزامهم بإبقاء بشار الأسد كرئيس لسوريا ولضمان الوجود المستمر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا. وتعتبر روسيا أنه لا يمكن الإستغناء عن ايران من أجل حماية الأسد. كما أنّ دوافع بوتين تنحدر من مصلحة الروس بإضعاف القوى المعارضة السنية المتطرفة، التي تُعتبر عناصر فعالة في معارضة  الأسد.

هذا وقد عانت روسيا أيضاً من المعارضة السُّنة المتطرفة داخل روسيا نفسها. إنّ استمرار الوجود الإيراني في سوريا هو فائدة استراتجية لموسكو. على المدى البعيد، في حال تمكن الأسد من الوقوف على رجليه مجدداً، قد تتقلّص قيمة الوجود الإيراني ولكن نظراً إلى أنّ هذا لن يحدث في المستقبل القريب، سيبقى التحالف الإستراتيجي بين روسيا وسوريا قوياً.

أما بالنسبة للنظام الإسلامي في ايران، فمصالحه في سوريا تتعدى المصلحة الإستراتجية، فهي جزء من أيديولوجيتها. إنّ النظام بأكمله ملتزم بنشر نسخته من الإسلام وتحويل إيران إلى القوة المهيمنة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وبالتالي إنهاء الدولة اليهودية. إنّ السيطرة على سوريا يجري بالتزامن مع جهود النظام الإيراني في اليمن والعراق والبحرين وأماكن أخرى في العالم العربي. ولذلك فإن ايران لن تُظهر أي استعداد لمغادرة سوريا إلا إذا كان ثمن البقاء مرتفعًا جداً.

وقد منح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إيران الحرية في سوريا في مقابل خطة العمل المشتركة لأنه يعتقد أن ايران قوة جديدة يمكن أن تسهم في الإستقرار وتدمير الدولة الإسلامية داعش. كما تساءل عن أسباب عدم استعداد السعوديون من مشاركة القوة في الشرق الأوسط مع الإيرانيين.

كان من المتوقع أن يتبنى ترامب موقفاً مختلفاً بناء على تصريحاته بأن "إيران هي الشر" والإنطباع الذي قدمه في مقابل السماح للرّوس بإبقاء الأسد في السلطة، فإنه سيطلب منهم بسحب الإيرانيين من سوريا. لكن بددت اَخر صفقة تم التوصل إليها بين ترامب وبوتين هذا الالتزام. وهذا ما يقلق إسرائيل ليس لأنها تسمح لإيران بالبقاء في سوريا مع كل العواقب المذكورة أعلاه فحسب ، بل لأنها تثير الشك حول عمق الإلتزام الأميركي، وقدرة الأميركيين على ايصال "فن الصفقة" إلى الشرق الأوسط والسياسة الدولية.

فقد صرّح كل من روسيا وأميركا بأنهما تأخذان بعين الإعتبار المخاوف الأمنية الإسرائيلية. ولكن على ما يبدو أنهما أخذا في الحسبان أول نقطتين فحسب، وربما اللأولى فقط. وهذا يترك إسرائيل لوحدها لأن النقاط الثلاثة الأخرى لم تؤخذ بعين الإعتبار.

كما جرت العادة، يجب على إسرائيل أن تهتم بشؤونها لوحدها. وهذا ليس بالمفاجئ، ستعرض اسرائيل برنامجها "حسن الجوار" والذي سيتم من خلاله تقديم المساعدات الإنسانية للسكان السوريين في مرتفعات الجولان. وبهذا ترسل إسرائيل رسالة بأنها تُركت لوحدها، وأنها ستجد سبيلها في حماية مصالحها في سوريا.

لتحميل الدراسة PDF