»

نتنياهو مصممٌ على تكليل زيارة ترامب بالنجاح

22 أيار 2017
نتنياهو مصممٌ على تكليل زيارة ترامب بالنجاح
نتنياهو مصممٌ على تكليل زيارة ترامب بالنجاح

لماذا الزيارة مهمة كثيراً لنتنياهو

في معرض تأكيده على التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، سيحرص ترامب وفريقه على إظهار التناقض مع الزيارة الأولى إلى الشرق الأوسط التي قام بها سلفه باراك أوباما، الذي ألقى خطاباً رئيسياً في القاهرة في عام 2009 ولكنه لم يزر إسرائيل، فأثار بذلك غضب حليف الولايات المتحدة المقرب. وبدوره، [يبدو] أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصمماً على تكليل زيارة ترامب بالنجاح - ومن شأن هذا الموقف بلا شك أن يضع ترامب في موقع القوة. وتتعدد الأسباب وراء هذا الموقف الإسرائيلي. أولاً، مثلها مثل الدول العربية، ترغب إسرائيل في ضمان استمرار انخراط ترامب في قضايا الشرق الأوسط، وسط تعليق آمال خاصة بأن يقدم على اتخاذ إجراءات لردع إيران. وفي سياقٍ ذي صلة، يخشى بعض [المسؤولين] في إسرائيل ودول أخرى في المنطقة من تحوّل مقاربة تقوم على مبدأ "أمريكا أولاً" إلى "أمريكا فقط" بعد نجاح التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» ، كما هو متوقّع، خلال الأشهر المقبلة.

ثانياً، خلُص مساعدو نتنياهو إلى أن التقارب مع واشنطن يحمل تأثيرات متسلسلة إيجابية على السياسة الخارجية الإسرائيلية في ميادين أخرى. فبعد عودة نتنياهو مباشرة من اجتماعه المبكر في البيت الأبيض في شباط/فبراير، على سبيل المثال، تلقى دعوةً لزيارة بكين بعدما كان قد انتظر مثل هذه الدعوة لبعض الوقت. وبالفعل، يساور المسؤولون الإسرائيليون القلق من عدم إمكان التنبؤ بتصرفات ترامب، ولذلك يأملون بالتالي أن تساهم زيارة ناجحة في حماية العلاقة الثنائية نوعاً ما من أي انتكاسة محتملة في المستقبل. وحرصاً على إظهار الترحاب الكافي للرئيس الأمريكي وتعزيز العنصر الشخصي، سيقيم نتنياهو بعد اجتماع العمل مأدبة عشاءٍ خاصة تجمعه بترامب وعقيلته. وتقليدياً، يستخدم نتنياهو حفلات عشاء من هذا القبيل لبناء علاقة مع القادة الأمريكيين وإيصال رؤية إسرائيل عن المنطقة.

ثالثاً، يسعى نتنياهو لإثبات أنه يجب تحميل اللوم على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وليس عليه، عن التوترات التي شهدتها علاقات الدولتين مؤخراً. وإذا لم يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من تطوير علاقة جيدة مع رئيس جمهوري - وهو الحزب الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه يفضله - فعندئذ قد يعتبر الشعب الإسرائيلي نتنياهو مسؤولاً عن ذلك. ولا يمكن تجاهل هذا التوقيت على المستوى المحلي، إذ يخضع نتنياهو في الوقت الحالي إلى تحقيق جنائي في قضية فساد، وهو لا يعتزم أن يثبت للشعب الإسرائيلي أن الحكومة الإسرائيلية فاعلة فحسب، بل أنه مسؤول مقرب من الرئيس الأمريكي لا يمكن الاستغناء عنه.

وكل ذلك يبرر الجهود الإسرائيلية للتقليل من شأن مختلف الحوادث التي حصلت خلال الأسبوع الماضي، وكان من الممكن أن تفسد الزيارة لو كانت قد ضُخمت من قبل المسؤولين الإسرائيليين. وتمثلت بداية الأمور بالعاصفة النارية التي هبّت بسبب الاجتماع الذي عُقد في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بين ترامب ووزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف، حيث يُزعم أن الرئيس الأمريكي شارك الوزير الروسي بمعلومات استخبارية إسرائيلية حساسة حول تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو اجتماع لم تتفوّه إسرائيل بأي كلمة سلبية بشأنه. وبصرف النظر عن تفاصيل هذه القضية، ليس لدى إسرائيل بديل عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بعلاقات استخباراتية وثيقة. وفي إطار متصل، كانت إسرائيل تحاول سراً تشجيع إقامة روابط أوثق بين واشنطن وموسكو حول سوريا، على أمل أن يتمكن التحالف بين الولايات المتحدة وروسيا من إحداث شرخ بين الكرملين وإيران، وأن يؤدي بالتالي إلى تهميش طهران.

وتخفف إسرائيل أيضاً من أهمية ما إذا كان أحد الإسرائيليين سيرافق ترامب إلى الحائط الغربي، وسط التوترات الحتمية ذات الصلة التي تبرر السبب الكامن وراء عدم قيام الرؤساء الأمريكيين السابقين بزيارة هذا الحائط. وبالفعل، فقد عارضت الولايات المتحدة وجود مرافقة إسرائيلية باعتبارها إشارة ضمنية إلى اعتراف الأمريكيين بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية، وهو أمر يتناقض مع السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة منذ زمن طويل. وخلال الإدارات المتعاقبة من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بقي موقف واشنطن على ما هو عليه حول ضرورة التوصّل إلى حلّ بشأن الوضع القانوني للقدس الشرقية من خلال إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين. أمّا إسرائيل، فقد أصدرت من جانبها قانوناً يقضي بضم القدس الشرقية إليها وتعتبر المدينة بأكملها تحت سيادتها، بينما توافق في الوقت نفسه على التفاوض بشأن وضعها مع الفلسطينيين.

وأخيراً، أوضح المسؤولون الأمريكيون للمراسلين الصحفيين قبيْل هذه الرحلة أن ترامب لن يعلن نقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، رغم تعهده خلال حملته الانتخابية بالقيام بذلك. ونتيجة لذلك، سيضطر ترامب في الأول من حزيران/يونيو إلى التوقيع على نفس وثيقة التنازل للأمن القومي كما فعل أسلافه  كل ستة أشهر منذ عام 1995. وفي خطاب علني - كان من المزمع في البداية أن يُلقى في مسعدة (متسادا)، الموقع الذي فضل فيه اليهود الانتحار الجماعي على الخضوع لروما القديمة وسيدلي به الآن في "متحف إسرائيل" - قد يشير ترامب إلى نيته في بدء التحرك حول هذه القضية خلال ولايته الحالية، موضحاً أنها لن تحدث هذه المرة. ولا يبدي نتنياهو أي خيبة أمل تجاه هذا التغيير، على الرغم من أن زيارة ترامب تصادف عشية الذكرى الخمسين لحرب عام 1967، وفقاً للتقويم العبري، وهي حرب أعادت فيها إسرائيل "توحيد" القدس.

هل يُحرَز تقدم في تحقيق السلام؟

لفت ترامب إلى أنه يريد "إبرام الاتفاق النهائي" للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويمكن استنتاج وجود بارقة أمل لتحقيق مثل هذه النتيجة من الاجتماع الناجح على ما يبدو الذي عقده الرئيس الأمريكي في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر مع رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس. وعلى الرغم من أن الرئيسين سيجتمعان مجدداً في 23 أيار/مايو في بيت لحم، لم يتم رسم أي خطط لعقد اجتماع قمة ثلاثي يجمعهما بنتنياهو. غير أن الرئيس عباس أعرب عن استعداده للتخلي عن شروطه المسبقة التي تمسك بها طويلاً بغية عقد اجتماع مماثل برعاية ترامب، مما قد يشكّل اللقاء الأول بين نتنياهو وعباس منذ سبع سنوات، حتى لو لم يحصل ذلك على الفور. واستباقاً لزيارة ترامب، سمح نتنياهو لوزير المالية موشي كحلون بلقاء نظيره الفلسطيني شكري بشارة لمناقشة تقديم حوافز اقتصادية للفلسطينيين، مثل إبقاء جسر الملك حسين أو جسر اللنبي مفتوحاً على مدار الساعة، وفتح المناطق الصناعية قرب جنين وترقوميا بشكل أكبر، فضلاً عن نقل الضرائب التي يتم جمعها من الصادرات الفلسطينية إلى "السلطة الفلسطينية" بفعالية أكبر.

قياس النجاح

من المؤكد أنّ ترامب ونتنياهو سيتمكنان من إعلان إنجازٍ مبني على تجاوز التوترات السياسية الثنائية التي سادت خلال عهد أوباما. وفيما عدا ذلك، قد يسعى ترامب إلى استغلال الزيارة لإعلان استئناف المحادثات الإسرائيلية-الفلسطينية، لكن الأساس والتوجه الموضوعييْن لاستئناف المفاوضات لا يزالان غير واضحا المعالم إلى حد بعيد. وبعد مرور أول مائة يوم على توليه الرئاسة، ففي وقت ما قريباً - لن يعُد ترامب يستفيد من التوقعات المنخفضة فيما يخص شؤون السياسة الخارجية، بما فيها محادثات السلام. وسيرتفع سقف التوقعات، ومن ثم سيصبح من الضروري تحديد التفاصيل والخطوات المستقبلية الواضحة.

ومن بين أكثر القضايا المحيرة، هي مسألة ما إذا كان ترامب سينتزع من دول الخليج التزاماً بإقامة علاقات أقرب وأكثر انفتاحاً مع إسرائيل - عوضاً عن الروابط القائمة حالياً من تحت الطاولة في إطار مكافحة الإرهاب - مقابل خطوات إيجابية من إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وفي هذا الإطار، يشير تقرير صدر عن صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن دول الخليج ستوافق على إقامة روابط في مجال الاتصالات وتحليق الطائرات المدنية ومنح رجال الأعمال تأشيرات دخول إذا وافقت إسرائيل على وقف النشاط الاستيطاني خارج الحاجز (الجدار) الأمني. ورغم أن هذه الآمال قد تكون سابقة لأوانها على الأرجح في هذه الجولة الافتتاحية، قد يقرر المسؤولون الأمريكيون السعي وراء انتهاز الفرص ذات الصلة فور انتهاء المحادثات. وفيما يتعلق بالمستوطنات، واحتراماً لترامب، اكتفى نتنياهو بالحديث عن إبطاء أقل تحديداً بشكلٍ عام، حيث لم يتم على سبيل المثال نقل مستوطني بؤرة عمونا الاستيطانية بعد أن كانت المحكمة قد أمرت بإخلائهم إلى مكان آخر. لكنه لم يقدم التزاماً جاداً بتجميد الاستيطان خارج كتل الضفة الغربية والحاجز الأمني (أراضي تشكل [حوالي] 92 في المائة من الضفة الغربية) خوفاً من أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى اندلاع أزمة مع الحلفاء من معسكر اليمين ضمن ائتلافه المحلي.

أما حول مسألة غزة، التي لحقت بها أضرار جسيمة نتيجة الحرب مع إسرائيل في صيف عام 2014، فقد التقى المسؤولون الأمريكيون مع نظرائهم الخليجيين قبل الزيارة الرئاسية لتحديد إمكانية زيادة المساعدة في مجالَي الكهرباء والبنية التحتية الاقتصادية. وتصب مثل هذه المساعدة في مصلحة إسرائيل، لأن عدم الاستقرار في غزة قد يؤدي إلى صراعات عسكرية في المستقبل.

وحول موضوعٍ منفصل، سيتوق المسؤولون الإسرائيليون لسماع ما إذا كان ترامب قد تمكّن من انتزاع تعهدات أكبر من السعوديين لمواجهة إيران ومحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». وسيمارسون الضغط حتماً على الرئيس الأمريكي في هاتين المسألتين.

المحصلة

خلال زيارة الرئيس ترامب الأولى إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير. فحتى الآن، يسعى الجانبان إلى تجنب الظهور بصورةٍ "معارضة" للرئيس الأمريكي الجديد. وعلى افتراض التمسك بهذا الموقف، ستتمحور الأسئلة المتبقية حول كيفية استغلال واشنطن للزيارة كنقطة انطلاق لوضع سياسات أكثر واقعية وفعالية من أجل تحقيق أولوياتها، وهي: تسهيل المكاسب بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتصدي لإيران وتنظيم «الدولة الإسلامية» وقوى متطرفة أخرى.