»

حرب لبنان الثالثة: الصراع القادم بين حزب الله وإسرائيل في ظل الإتفاق النووي الإيراني

26 نيسان 2017
حرب لبنان الثالثة: الصراع القادم بين حزب الله وإسرائيل في ظل الإتفاق النووي الإيراني
حرب لبنان الثالثة: الصراع القادم بين حزب الله وإسرائيل في ظل الإتفاق النووي الإيراني

مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD

هي منظمة تصنف نفسها على أنها غير ربحية وغير حزبية تأسست في عام 2001،

تجمع دراساتها بين البحث السياسة والديمقراطية و"مكافحة الإرهاب"، التعليم، والاتصالات الاستراتيجية والصحافة الاستقصائية في دعم رسالتها لتعزيز التعددية، والدفاع عن القيم الديمقراطية ومحاربة الأفكار التي تقود "الإرهاب".

الباحثون:

           جوناثان شانزر

نائب الرئيس في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات".

مهتم بشؤون تركيا وشمال أفريقيا، السودان، لبنان، الربيع العربي، مصر، الإسلام، اليمن، المملكة العربية السعودية ودول الخليج وحزب الله وإسرائيل، القاعدة، مجتمع الاستخبارات، السياسة الفلسطينية، إيران، إيران – العقوبات.

إنضمّ إلى المؤسسة في فبراير 2010، وهو يتميز بأبحاثه الدقيقة والأبحاث المفيدة لصناع القرار داخل في  أمريكا وحول العالم.

كان يعمل كمحلل للتمويل في قسم الإرهاب لدى وزارة الخزانة الأميركية حيث لعب دورا أساسيا في تسمية العديد من ممولي الإرهاب.

"شانزر"عمل كزميل ابحاث سابق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى،وقد درس تاريخ الشرق الأوسط في أربعة بلدان.

حائز على درجة الدكتوراه من "كينجز كوليدج" في لندن، حيث كتب أطروحته حول جهود الولايات المتحدة وجهودها لمكافحة الإرهاب في القرن ال20.

عمل كجزء في فريق قيادة  مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطية" والتي تعمل على دراسة العقوبات والتمويل غير المشروع، والذي يوفر خبرة على استخدام القوة المالية والاقتصادية للمجتمع السياسات العالمية.

لدى "شانزر" مؤلفات مهمة في مجال التحليل السياسي آخرها :

State of Failure: Yasser Arafat, Mahmoud Abbas, and the Unmaking of the Palestinian.

ويتحدث هذا الكتاب عن ان الحاجز الرئيسي لاقامة دولة فلسطينية ليس تعنت إسرائيل بل المشكلة تكمن في الخلل السياسي للسلطة الفلسطينية وسوء الإدارة.

يظهرعلى نطاق واسع في وسائل الإعلام الأمريكية والدولية وقد ظهر على القنوات التلفزيونية الأمريكية مثل فوكس نيوز وشبكة سي إن إن وأيضاً في عدد من القنوات العربية مثل قناة العربية والجزيرة.

وسبق أن زار عدداً من الدول في منطقة الشرق الأوسط وهي العراق، اليمن، مصر، المغرب، الكويت، قطر، تركيا، الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وهو يكتب في عدد من الصحف المعروفة مثل وول ستريت جورنال.

ويتحدث "شانزر" اللغتين العربية والعبرية.

حسابه عبر تويتر: https://twitter.com/JSchanzer

     طوني بدران Tony Badran


هو عضو باحث في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات".

نشأ وترعرع في لبنان.

ويركز في أبحاثه على لبنان، حزب الله، سوريا، والجغرافيا السياسية في بلاد الشام.

وقد أدلى طوني برؤيته لمجلس النواب في عدة مناسبات بخصوص سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وسوريا.

ظهرت كتاباته في صحف من بينها صحيفة لوس أنجلوس تايمز، الواشنطن بوست، والسياسة الخارجية، والشؤون الخارجية، وويكلي ستاندرد.

وهو كاتب عمود ومحلل شؤون بلاد الشام في مجلة " tabletmag ".

حسابه على تويتر : https://twitter.com/AcrossTheBay

      دايفيد داوود David Daoud

هو محلل بحوث باللغة العربية في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات". لبناني الأصل ويهودي. عاش في جنوب لبنان والقدس.

كل التركيز في تحليلاته يصب على لبنان وحزب الله وإسرائيل وإيران.

قبل انضمامه إلى مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" كان يعمل مستشارا في شؤون الشرق الأوسط في "الكابيتول هيل".

كان داوود باحث في "الجماعات الإرهابية" في معهد بوتوماك، وهو كاتب القانون في القاعدة الأمريكية المصرية من جمعية القانون، ومتدرب في مقر اليونيفيل في جنوب لبنان

حائز على درجة البكالوريوس في الحكومة والتاريخ فضلا عن القانون الدولي وقوانين النزاع المسلح من جامعة سوفولك في بوسطن. وهو يجيد التحدث بالانكليزية والعربية والعبرية.

حسابه على تويتر : https://twitter.com/DavidADaoud

مراجعة:

             ياكوف شهراباني

هو إسرائيلي الجنسية عمل في سلاح الجو الملحق بالولايات المتحدة لمدة 3 سنوات.

مسؤول في مخابرات القوات الجوية الاسرائيلية لمدة تقارب العامين.

رئيس شعبة مروحيات سلاح الجو الإسرائيلي.

حائز على شهادة ماجستير من جامعة الدفاع الوطني باختصاص القيادة العسكرية والاستراتيجية بدرجة متميز وذلك بين 2005- 2006.

لديه مهارات في إدارة البرامج والتخطيط الاستراتيجي.

كما أنه يتمتع بمهارات جيدة في التجربة العسكرية،الطائرات،إدارة فريق وغيرها..

حسابه على اللينكد إن : https://www.linkedin.com/in/yakov-shaharabani-64861b106/

مقدمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير:

إنطلاقًا من رسالة مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير  في إعداد الأبحاث والدراسات العلمية سياسية وإعلامية والإسهام في صناعة الوعي ورفع فعالية وكفاءة الأداء الإعلامي والإنتقال من مرحلة رد الفعل إلى أخذ دور الفاعل في صناعة القضايا السياسية، وجزءً من مهامه على رصد ما تنتجه مراكز الأبحاث في دول صناعة القرارات، إرتأى المركز أن يعمل على ترجمة هذه الدراسة الموسومة "حرب لبنان الثالثة: الصراع القادم بين إسرائيل وحزب الله في ظلّ الإتفاق النووي الإيراني"، الذي أعدته مؤسسة "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD" في نهاية عام 2016. حيث سعى المركز إلى تحليل البيانات المتعلقة بالباحثين ورصد حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي بفهم توجهاتهم وخلفياتهم السياسية والأمنية. بما يسهم بتعميق الفهم لمنطلقاتهم الفكرية في دراستهم وارتباطهم بمصادر المعلومات ومراكز القرار.

وهنا يوّد المركز الإشارة إلى النقاط التالية:

إن المعطيات في الدراسة مبنية على بعض المتغيرات التي طرأ عليها بعض المستجدات حيث قاربت الدراسة الموضوع من وجهة نظر إدارة أوباما السياسية وأشارت إلى إمكانية تغير بعض المعطيات في ظل الرئاسة الجديدة للولايات المتحدة، مما يحتاج إلى إعادة قراءة لبعض المعطيات إنطلاقًا من وجهة نظر رئيس الولايات المتحدة الجديد دونالد ترامب.
تم استخدام مصطلحات في الدراسة تعكس وجهة نظر كاتبيها وعملًا بمعمل الأمانة والدقة الموضوعية لم يغير المركز أي من تلك المصطلحات وإن كان لديه منظومة مصطلحات مختلفة.

وضع المركز المُعد للدراسة نبذة عن الباحثين والمساهمين في إعداد الدراسة. وبعد أن تقصى مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير عن تلك الشخصيات في المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الإجتماعي في حساباتهم الشخصية، إرتأى أن يوسع في عرض المعطيات عنهم حيث لاحظ ميولهم وانتمائهم إلى منظمات عسكرية وأمنية لها علاقة بالكيان الإسرائيلي.
ختامًا، وبعد أن وجد المركز حرفية علمية في إعداد الدراسة والنوعية في استخلاص التوصيات محتملًا بأن تكون تلك التوصيات قد قُدمت إلى مراكز صنع القرار، يجد المركز بدًّا من قراءة تلك التوصيات بتمعّن والسعي باتجاه تحليل المجريات لمعرفة ما إذا كان قد تم تبنيها والسعي باتجاه تحقيقها، تمهيدًا لفهم العقلية التي يعملون عليها وصولًا إلى القدرة على تنبؤ بما يمكن أن يحدث وبالتالي إلى القدرة على الضبط والتحكم.

ومهما كانت نتائج هذه الدراسة آيلة إلى التنفيذ أم لا فإننا نجد بأنه من المفيد الإطلاع عليها وفهم محاولات الباحثين وجهودهم المبذولة في قراءة وضع المنطقة.

المقدمة

أصدرت قوات الدفاع الإسرائيلية في آب 2015، الدراسة الاستراتيجية العلنية الأولى من نوعها، مسلطةً الضوء على التحديات الخطيرة التي تواجه الأمن القومي الإسرائيلي. إذ لم يسبب البرنامج النووي الإيراني وتطوير الصواريخ الباليستية تهديدًا كبيرًا لإسرائيل بقدر التهديد الموجه من عملائها الإقليميين ووكلائها. والأبرز هو المجموعة الإرهابية اللبنانية "حزب الله". إذ صرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال "غادي إيزنكوت" بعد عام على إصدار الدراسة أن حزب الله هو العدو الرئيسي للجيش الإسرائيلي، مشكّلًا التهديد الأخطر لإسرائيل.

وقعت آخر معركة بين حزب الله وإسرائيل صيف عام 2006. وعلى الرغم من التفاوت في قدراتهما، فشلت إسرائيل في تحقيق نتيجة عسكرية حاسمة. وعوضًا عن ذلك، سبّب الصراع الدموي الذي استمر 34 يومًا خرابًا كبيرًا في جنوب لبنان وشمال إسرائيل، إذ هُدّمت قرًى لبنانية بأكملها وفرَّ المواطنون الإسرائليون من الشمال إلى الجنوب، كما تحمّل كلا الطرفين خسائر مادية ضخمة. منذ ذلك الحين، اتخذ كل من حزب الله وإسرائيل دروسًا من هذه الحرب. إذ يستعد كلا الطرفين للحرب القادمة التي لا مفر منها من خلال إعادة تسليح مجموعاتهما. إذ كلما تفاقمت حدة الحرب الأهلية السورية ولم تنتهي بشكل حاسم لصالح "محور المقاومة" المألّف من حزب الله وإيران وسوريا، فمن غير المرجح  أن يدخل حزب الله عمدًا بصراع واسع النطاق ضدّ الجيش الإسرائيلي. إذ أرسل ما يقارب 6000 مقاتل إلى سوريا لمحاربة القوات السنية المتعددة غير النظامية، متكبدًا عدد كبير من الضحايا. وقد استهدفت إسرائيل قادة من حزب الله وضربت شحنات أسلحة متطورة متجهة إلى لبنان. وباختصار، حزب الله سيظل تحت النار ومقيّدًا في سوريا حتى إنتهاء الحرب أو ربما أبعد من ذلك. لهذه الأسباب، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي "أفيغادور ليبرمان"، وهو واحد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، أن لا الحرب مع حزب الله تلوح في الأفق.

إن مستنقع حزب الله الحالي يجعل منه هدفًا جذابًا لضربة إسرائيلية وقائية. ولكنها ليست مسألة سهلة لحكومة انتُخبت ديمقراطيًا بإنهاء 10 أعوام من الهدوء والرخاء عمدًا لشن حرب من شأنها توليد دمار ضخم في الملكيات وانقطاع قصري للتجارة وخسائر كبيرة في الأرواح. علاوةً على ذلك، إن التأكّد من رد الفعل والقلق الدولي واحتمالية توقيف دعم الولايات المتحدة في أعقاب حرب فجائية، يجعل من الحرب خيارًا غير محتمل بالنسبة للإسرائيليين.

على الرغم من عدم إكتراث حزب الله بشأن القانون الدولي وعدم تقيّده بالمسائلة قضائية، تبقى قدرته لشن حرب ضدّ إسرائيل محدودة. فبعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000 إلى داخل الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة، أصبح من الصعب لحزب الله التبرير للشعب اللبناني بما فيهم الفئة الشيعية، إذ ستسبب الحرب الجديدة ضدّ إسرائيل دمارًا تامًا بالتأكيد.

"لا تشن جميع الحروب عمدًا، إذ تفتح الإشتباكات الصغيرة الطريق للوقوع في هوة الإحتدام الكبير."

وبالتالي، ساد الهدوء النسبي لمدة عشرة أعوام. ومع ذلك، يوضّح تاريخ الصراع بين حزب الله وإسرائيل أن الهدوء لا يولّد الهدوء دائمًا. فلم تُفتعل جميع الحروب قصدًا، وقد فتحت الإشتباكات الصغيرة الطريق للوقوع في هوة الإحتدام الكبير.

 وهكذا، تبقى فكرة نشوب الصراع محتملة. إذ يواصل حزب الله استغلال فوضى الحرب الأهلية السورية لزيادة ترسانته الضخمة بالفعل، في ما يسميه المسؤولون العسكريون الإسرائليون "لعبة تغيير الأسلحة"، معتبرين هذا العمل خطًا أحمر، وردًا على ذلك، قامت بضربات جوية لمنع نقل هذه الأسلحة. استوعب حزب الله هذه الضربات بصمت، ولكن شعرت القيادة بضرورة الرد حتى لو كان الرد رمزيًا.

إن كل مناوشة مهما كانت صغيرة معرضة لخطر الوقوع في صراع أكبر من دون قصد الجانبين.  تصف شخصيات رئيسية في الجيش الإسرائيلي هذا السيناريو بال "منحدر الزلق" حيث تؤدي الضربات التكتيكية الصغيرة إلى أعمال إنتقامية، التي بدورها قد تتفاقم إلى إحتدام كبير.

وهذا كان الحال في كانون الثاني – يناير 2015، عندما استهدفت غارة إسرائيلية مسؤولين إيرانيين وشخصيات من حزب الله في محافظة القنيطرة على مرتفعات الجولان، بعد مقابلة لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، تكلم فيها عن اقتحام منطقة الجليل شمال إسرائيل "وخارجها" في أي صراع قادم. هذا وكشف مؤخرًا رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية الجنرال "هيرزي  هاليفي"، أن ثأر الإسرائيلي لردّ حزب الله الإنتقامي في إطلاق خمسة صواريخ "كورنت" المضادة للدبابات على دورية إسرائيلية مسببة بقتل جنديين، قد يكون مختلفًا،... فالجميع يتكلم على الراديو عن حرب لبنانية ثالثة مع حزب الله وليس عن الثانية فحسب.

حتى لو بدأ حزب الله بالحرب القادمة، فالقرار سيأتي من إيران. إذ دائمًا ما كان حزب الله أداة من أدوات القوة الإيرانية- فهو قاعدة أمامية على البحر الأبيض المتوسط. إذ يتحدث المسؤولون الإيرانيون بانتظام عن ترسانة حزب الله الصاروخية باعتبارها ملكًا لهم. فقد أعلن قائد فيلق الحرس

 الثوري الإسلامي العميد حسين سلامي في تموز- يوليو 2016 " في لبنان فحسب يوجد أكثر من 100,000 صاروخ جاهز للإطلاق لضرب قلب النظام الصهيوني فيما يخدم مصالحنا وفي حال ارتكاب النظام الصهيوني الأخطاء القديمة بسبب سوء التقدير."

من جهتهم، قد يسعى الإسرائليون إلى استباق ضربة حزب الله. فالحاجة الملموسة للقيام بهذا ينمو مع تجميع إيران للقوة في المنطقة. ومع ذلك، يعتقد المسؤولون الإسرائليون عمومًا الصراع القادم سيكون واحدًا من المناوشات غير المخطط لها التي تتفاقم بسرعة.

قد تندلع حرب لبنان الثالثة غدًا أو بعد سنوات من الآن. إذ تسعى هذه الدراسة إلى شرح غياب الصراع بين الخصمين المريرين منذ المواجهة الضخمة الأخيرة عام 2006، فضلًا عن العوامل التي قد تعيق أو تُفاقم الصراع بينهما في المستقبل. ففي النهاية، عند إندلاع حرب أخرى، حتى في ظل أفضل السيناريوهات، سيكون الصراع أكثر استنزافًا لكلا الجانبين من قبل، مؤديًا إلى دمار واسع النطاق وخسائر في أرواح المدنيين. وقد يهدّد هكذا صراع مجموعة كبيرة من مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل. إذًا فمن المهم لصنّاع السياسة الأميركية فهم التعقيدات والتحديًات والدمار الذي ينتظرهم. والأكثر أهمية هي التدابير التي قد تُتخذ في سبيل مساعدة تشكيل نتائج حرب لبنان الثالثة.

أولاً: الحرب الأهلية السورية كرادع

تقول الحكمة حاليًا أنه سيكون إقدام حزب الله على البدء بالصراع عملًا إنتحاريًا من شأنه أن يطلق العنان للقوة الكاملة للجيش الإسرائيلي في الوقت الذي يعجز مقاتليه عن التقدم عبر المنطقة لدعم "محور المقاومة" التابع لإيران. وفي طليعة الإنتشارات العسكرية المعركة الوجودية في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من الخطابات التهديدية، فإن حزب الله على الأرجح غير قادر على التعامل مع حرب متعددة الجبهات ضدّ إسرائيل والثوار السوريين. يعمل حوالي 4,500 -6000 مقاتل في حزب الله في سوريا على مساحة واسعة على نحو متزايد في البلاد ويتخذ الجيش السوري الدور الثانوي.

كانت حاجة إيران لنشر حزب الله في سوريا عاجلة. إذ أدت السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية إلى تدهور الجيش السوري الذي بقي موال لدمشق، وكان دخول حزب الله في الحرب ضروريًا لدعم نظام الأسد المقيّد. كما ساهم في بقاء الأسد، التدخل الروسي العسكري في أيلول –سبتمبر 2015، فضلًا عن تدفق جنود المشاة من الحرس الثوري الإيراني ومن الجيش الإيراني العادي بالإضافة إلى مقاتلين شيعة من العراق وباكستان وأفغنستان ومن أماكن أخرى. 

يعمل حوالي 4,500 -6000 مقاتل في حزب الله في سوريا على مساحة واسعة على نحو متزايد في البلاد ويتخذ الجيش السوري الدور الثانوي. وقد دفع حزب الله ثمنًا باهظًا، فعلى الرغم من عدم وجود أرقام محددة بخسائر هذه المجموعة، إلا أن المئات من المقاتلين النخبة والقادة قد لقوا حتفهم. في الواقع، تشير التقارير إلى أن حوالي 1,500 مقاتل في حزب الله قُتلوا في سوريا، وعلى سبيل المقارنة، بلغت خسائر حزب الله في الصراع مع إسرائيل بين عام 1985 وعام 2000 مجموع 1,248.

ومع ذلك، إن قرار الإنسحاب من سوريا ليس خيارًا. فإنقاذ نظام الأسد هو أساس العمق الاستراتيجي للمنظمة ولسيطرتها الفعالة على لبنان. إذ تُعتبر سوريا الجسر البري لإيران، والراعي العسكري والمالي لحزب الله. هذا ويزوّد النظام السوري حزب الله مباشرةً بالأسلحة. وبالتالي، فإن

ضمان إنتصار نظام الأسد هو مسألة وجودية بالنسبة لحزب الله وأولوية استراتيجية بالنسبة لإيران.

نتيجة لذلك، يقدّر على نحو واسع محاولة هذه المنظمة تجنب فتح جبهة جديدة ضدّ أقوى جيش في المنطقة. إذ يشكل شبح الحرب الواسعة رادعًا لحزب الله في ضوء تقديرات الجيش الإسرائيلي أن الصراع القادم قد يكون الحاسم. وفي الواقع، إن المواجهة الشاملة ضدّ الجيش الإسرائيلي قد تكون خطرة على استراتيجية المنظمة إن لم تكن ضربة قاضية عليها.

ثانياً: عوائق حزب الله  في الداخل

وعليه الأخذ بعين الإعتبار العوامل الداخلية اللبنانية قبل الدخول بحربه الثانية ضدّ إسرائيل. إذ خلق انتشار حزب الله في سوريا توترًا في علاقته مع مجموعات شيعية داعمة له في لبنان. وتشير التقارير إلى أن هذا المجتمع متضارب إلى حدًّ ما حول حقيقة عودة أبنائهم من سوريا إلى وطنهم جثثًا محمّلة. بالإضافة إلى تساؤلات حول أسباب محاربة حزب الله لزملائهم العرب في حين أنه سبب وجوده هو محاربة إسرائيل. وقد تمكن حزب الله من احتواء هذه المشاعر وتوجيهها،

ولكن للإستمرار بذلك عليه الحفاظ على أمن ورخاء القاعدة الشيعية. إضافة إلى ذلك، إن الخوف من هجمات جهادية ضدّ أحياء شيعية والعقوبات المفروضة على حزب الله وداعميه من الولايات المتحدة، خلقت ضغطًا إضافيًا على حزب الله في سعيه إلى إرضاء قاعدته السياسية والطائفية.

"أشيد سابقًا بهذه المجموعة كمقاومة عربية تقاتل إسرائيل، أما اليوم يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها أداة حادة تقوم بأعمال إيران الدنيئة."

في الوقت نفسه، تعارض القاعدة السنية في لبنان بشدة دعم حزب الله لنظام الأسد واستمراره بحربه المدمرة في الجوار. وبالفعل تأثر لبنان من حرب سوريا من خلال تدفق أعداد هائلة من اللاجئين وانهيار إقتصاده. وبغض النظر عن الطائفية، يذكر اللبنانيون حرب 2006 تمامًا، وقليلون –حتى بين مؤيدي حزب الله – هم من يريدون مواجهة عدوان إسرائيلي آخر. فقد استمر إعادة إعمار المناطق اللبنانية المدمرة في حرب 2006 لسنوات.  كما يدرك السكان أن الحرب المستقبلية ضد إسرائيل ستكون لتهجير عدد كبير من اللبنانيين الشيعة  كما كان الحال في حرب 2006.

في خلال الحرب الأخيرة، هرب هؤلاء الشيعة المهجرين إلى سوريا للحفاظ على أمنهم. لكن جعلت حرب الأسد المدعومة من حزب الله معظم المراكز السكنية غير مؤهلة لاستقبال المهجرين اللبنانيين الشيعة. 

علاوةً على ذلك، على حزب الله التعامل مع صورته الضعيفة إقليميًا. إذ أُشيد سابقًا بهذه المجموعة كمقاومة عربية تقاتل إسرائيل، أما اليوم يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها أداة حادة تقوم بأعمال إيران الدنيئة. فبعد تورطه بسوريا والعراق واليمن، ناهيك عن أنشطته في زعزعة الإستقرار في دول الخليج العربي، تُسجل شعبية حزب الله اليوم أدنى مستوياتها. هذا ويسعى مجلس التعاون الخليجي لمعاقبة حزب الله على دوره الرائد في الحروب الطائفية الإيرانية. وقد وضع مجلس التعاون الخليجي،

بتأثير من المملكة العربية السعودية، حزب الله على قائمة الإرهاب ولحقته الجامعة العربية في آذار- مارس 2016. هذا ودفعت تدابير مجلس التعاون الخليجي البنوك الخليجية إلى تجميد حسابات حزب الله، وإلقاء القبض على شخصيات مرتبطة بحزب الله وترحيل آخرين. وهذا الترحيل أضر بقاعدة حزب الله المالية.

قد يحمل عداء مجلس التعاون الخليجي تجاه حزب الله تورطًا له في الحرب المستقبلية بين حزب الله وإسرائيل. إذ ليس من الصعب تصور الصمت العربي أو حتى التشجيع الضمني للقصف الإسرائيلي ضدّ هذه المجموعة. كما يظهر للمرء أن الدول العربية قد تمنع الجهود الدولية لوقف إطلاق النار التي تحتوي على شروط لصالح حزب الله. وقد تمتد ردة الفعل هذه إلى إعادة الإعمار ما بعد الحرب أيضًا. 

في حين قدمت دول الخليج العربي مئات الملايين من الدولارات للحكومة اللبنانية لإعادة إعمار المناطق المدمرة في حرب 2006، إلا أن الوضع يختلف اليوم بشكل ملحوظ. ففي شباط – فبراير أعلنت المملكة العربية السعودية، الجهة المانحة الأبرز للبنان بعد حرب 2006، أنها ستجمّد مساعدتها إلى الجيش اللبناني، مشيرةً إلى إستيلاء حزب الله على الجهاز الإداري للدولة اللبنانية.

ثالثاً: المنطق، المُستبعد، لضربة إسرائيلية وقائية

إن توقيع الإدارة الأميركية للإتفاق النووي المعروف ب"خطة العمل الشاملة المشتركة"، يعكس تأثيرًا ضارًّا على الحسابات العسكرية الإسرائيلية وبيئتها الاستراتيجية على نطاق واسع. إذ تجنب الرئيس أوباما مجابهة إيران بشأن سلوكها المؤذي في الشرق الأوسط خوفًا من إفشال إنجازه الدبلوماسي الأبرز. فقد عملت إدارته قبل الصفقة باجتهاد لمنع أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية.

داعيًا بشكل علني إلى احترام "أسهم" إيران في سوريا، وسامحًا لإيران بمواصلة بناء الجسر البري مع حزب الله في لبنان.

والسبب يعود لاعتقاد الرئيس أن الحرب الإسرائيلية ضدّ حزب الله قد تشكل تهديدًا على الإتفاق النووي، وبالتالي على إرثه. ومن الصعب توقع سياسة الرئيس الجديد للولايات المتحدة تجاه إيران.

على المدى القريب، يتأهب الإسرائيليون للآثار الفورية للصفقة من عدة جوانب. خصوصًا، عندما قامت خطة العمل الشاملة المشتركة بإلغاء تجميد حوالي 100 مليار دولار أميركي من الحسابات الإيرانية المودعة في البنوك الأجنبية والبدء بإعادة دمج طهران في النظام المالي الدولي بالإضافة إلى فتح إقتصادها على التجارة الدولية. ومن المتوقع أن يمتد مكسب إيران الكبير غير المتوقع إلى حليفها الأهم والأثمن حزب الله، مما يساعده بالتهرب من عقوبات قاسية جديدة فرضها الكونغرس في الولايات المتحدة عليه بعد توقيع الإتفاق. فكما قال أمين عام حزب حسن نصرالله: " طالما لدى إيران المال، فنحن أيضًا سيكون لدينا المال". لا تساهم هذه الأموال بدفع  رواتب المقاتلين والموظفين في حزب الله وتحسين بنيتها التحتية فحسب، بل ستساعده في دفع تكاليف زيادة تسلحه وتدريباته والدعم اللوجيستي.

"مجرد إمتلاك إيران للسلاح النووي في مرحلة ما في المستقبل يمكن أن يعيق حسابات إسرائيل العسكرية في الحرب المستقبلية ضدّ حزب الله."

لكن في الوقت نفسه، إن الإسرائيليين على بيّنة من حقيقة أن حزب الله غير محمي بموجب الاتفاق النووي.  وهكذا، عند تجاهل منطق الضربة الوقائية، تبقى إسرائيل أمام خيارين إمّا الانتظار لإظهار إيران لقوتها النووية من دون أي عقوبات ومع مجالات سيطرتها المعترف بها ومع وجود قاعدة أمامية للصواريخ قبالة البحر الأبيض المتوسط، أو التحرك لقطع أداة قوة إيران الرئيسية ألا وهو حزب الله المتمركز على حدودها. في السنوات الأخيرة، أعرب كبار قادة الجيش الإسرائيلي عن قلقهم بشأن "مظلة إيران النووية". في الواقع، إن مجرد امتلاك إيران للسلاح النووي في مرحلة ما في المستقبل يمكن أن يعيق حسابات إسرائيل العسكرية في الحرب المستقبلية ضدّ حزب الله. وبعبارة أخرى، فإنه يبدو منطقيًا لإسرائيل إحداث ضربة قبل ظهور بيئة استراتيجية عكسية التي من شأنها زيادة التهديد الأمني لإسرائيل.

بالنسبة لإسرائيل، إن بدء الصراع في الوقت التي تختاره مرجح أكثر للدخول في الحرب. ولذلك فمن المعقول، حتى لو كانت غير مرجحة حاليًا، أن تحاول إسرائيل استدراج حزب الله للبدء بالحرب. والطريقة الأكثر وضوحًا للقيام بهذا هي من خلال شن سلسلة من الضربات الجوية على قوافل أسلحة تابعة لحزب الله أو على مستودعات داخل لبنان.

على الرغم من حالة الضعف المزعومة التي يعاني منها حزب الله والتي تجعل الوقت مناسبًا لإسرائيل لإشعال فتيل الحرب، فإنها ليست سهلة كما تبدو. فقد عاشت الحدود الشمالية لإسرائيل حالة من الهدوء لعشر سنوات، حيث يريد الشعب الإسرائيلي إستمرار هذا الهدوء، وقد عملت سياسة الجيش الإسرائيلي على الحفاظ على هذا الهدوء لأطول فترة ممكنة. وبالنظر للدمار الذي سينتج عن إعادة الصراع، سيكون القادة الإسرائيليون المسؤولون أمام ناخبيهم، مترددين لشن حرب قد تؤدي لرد فعل شعبي عنيف. 

علاوةً على ذلك، وفي أعقاب هجوم غير مبرر، ستكون إسرائيل متهمة بانتهاك القانون الدولي وقانون النزاعات المسلحة. حتى لو كانت الحسابات الإسرائيلية تقوم على أدق تفسير للقانون الدولي، فإن الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق الذي يشن من دون استفزاز من حزب الله قد ينتج عنه إدانات واسعة على أنها حرب عدوان بالنسبة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأخيرًا، يبقى الخوف الأكبر من إثارة حفيظة الحليف الأقوى لإسرائيل ألا وهو الولايات المتحدة. وبالتالي لتقليص سنوات من الروابط القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل أو الدعم العسكري الضخم المستمر لإسرائيل. ومع ذلك، توترت العلاقات الدبلوماسية منذ إستلام إدارة أوباما الحكم، بسبب الخلافات حول عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية. هذا وكانت العلاقات في فترة الحكم الثانية لأوباما أكثر توترًا مع تقارب الرئيس لإيران، الحليف الرئيسي لحزب الله، التي أصبحت تشكل ركيزة أساسية لسياسة الولايات المتحدة إقليميًا.  

رابعاً: الآثار المتفاقمة

يرى المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون أن احتمالية وقوع حرب غير مقصودة – كما حصل في حرب 2006، عندما ذهبت الضربة التكتيكية إلى التصعيد – السيناريو الأكثر احتمالا.

لم يكن يتطلع الإسرائيليون لحرب شاملة في كانون الثاني –يناير 2015 عندما شنوا غارة جوية على الجانب السوري لمرتفعات الجولان، مسفرةً عن مقتل أشخاص من النخبة كجهاد مغنية والقائد الميداني في حزب الله محمد عيسى والجنرال في الحرس الثوري اللواء محمد علي الله دادي. ومع ذلك، وجدوا أنفسهم في حالة حرب مع تزايد حدة الخطابين الإيراني وحزب الله المترافق مع استهداف حزب الله لدورية العسكرية الإسرائيلية التي تبعها تصريحات إسرائيلية عدوانية. 

تعلمت إسرائيل على مدى السنوات القليلة الماضية أن حزب الله سيمتص على مضض الإضطرابات في سوريا، بما في ذلك، الضربات الموجعة كاغتيال القائد العسكري مصطفى بدر الدين في أيار-مايو 2016. من ناحية أخرى، لدى المجموعة وجهة نظر مختلفة عن الضربات داخل لبنان. في الواقع، في عام 2014 رد نصرالله على الغارة الإسرائيلية داخل لبنان على جعل قاعدة الإنتقام واضحة على أي هجوم داخل لبنان، حتى عندما اتخذت الحرب المظلمة المحدودة في سوريا شكلًا، حيث يستهدف الإسرائيليون أصول حزب الله على أساس عرضي ومنتظم.  

"تعلمت إسرائيل على مدى السنوات القليلة الماضية أن حزب الله سيمتص على مضض الإضطرابات في سوريا، بما في ذلك، الضربات الموجعة كاغتيال القائد العسكري مصطفى بدر الدين في أيار-مايو 2016."

منذ ذلك الحين لم تُسجل أي غارة جوية إسرائيلية ضد حزب الله داخل لبنان. والإستثناء الوحيد كان عندما استهدفت القوات الدفاع الجوي الإسرائيلية في شباط – فبراير 2014 هدفًا بالقرب من بلدة جنتا على الحدود السورية-اللبنانية. وتمثل رد حزب الله بضرب أهداف للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا من دون إصابة أهداف معينة، قبل القيام بتفجير عبوة ناسفة زُرعت على طول السياج الحدودي قرب مجدل شمس مسببة بجرح أربعة مقاتلين إسرائيليين. 

في تصريحات له عقب تللك الهجمات، سعى نصرالله إلى إقامة معادلة ردع ضد أي ضربة إسرائيلية مستقبلية في لبنان، موضحًا أنه لن يقف جانبًا ويدع إسرائيل تغير قواعد الإشتباك. ومنذ ذلك الحين واصلت إسرائيل الإلتزام بتلك المعايير. ولكن الفهم الخاطئ لهذه القواعد يقدم بحد ذاته دافعًا لتجديد الصراع.

خامساً: قواعد اللعبة

لم يكن إعلان نصرالله عن الخطوط الحمراء لحزب الله جديدًا، فهو يقوم بتشكيل ومراجعة "قواعد اللعبة" لمنظمته ضد إسرائيل منذ أكثر من عقدين. إذ تتغير “قواعد اللعبة” بشكل بسيط على مر السنين، كلما تطور الصراع بين هذين الطرفين. في خلال عام 1980، عندما بدأ فتيل الحرب بالإشتعال بين الجانبين، كان هناك بنية ضعيفة لتوجيه الصراع. ولكن بحلول عام 1990، بدأت الأنماط بالظهور. ومنذ ذلك الحين، تميزت ثلاث فترات واضحة بقواعد اشتباك ملحوظة.

بدأت أول مجموعة قواعد تأخذ شكلًا في عام 1993، عندما وجدت إسرائيل أن وتيرة هجمات الكاتيوشا لا تُحتمل، محرّضةً إياها للقيام بعملية تصفية الحساب. وقد صمّمت إسرائيل حملة القصف الجوي والمدفعي لإلغاء التهديد الذي يشكله حزب الله. ومع ذلك، استمرت قدرة حزب الله في إطلاق الصواريخ من نوع كاتيوشا على شمال إسرائيل طوال الأيام السبعة للعملية العسكرية. وانتهى الصراع باتفاق شفوي غير رسمي بوساطة كل من الولايات المتحدة وسوريا. واتفق الجانبان على عدم استهداف المدنيين – مع امتناع إسرائيل عن مهاجمة أهداف مدنية في لبنان في حين تعهد حزب الله بوقف إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل_ لكن مع بقاء المنطقة المحتلة منطقة صراع مشروعة.

شرّع هذا الإتفاق عمليًا هجمات حزب الله على الجنود الإسرائيليين ومنحته قدرًا من الحصانة، كما منع إسرائيل استهداف المناطق المدنية حيث يتمركز حزب الله. ووصلت الأمور إلى ذروتها في 9 من نيسان –أبريل 1996، عندما أكدت إسرائيل تجاوز حزب الله "للخطوط الحمراء" بإطلاق صواريخ على شمال إسرائيل. وتمثل الرد بشن الجيش الإسرائيلي هجومًا تحت إسم "عملية عناقيد الغضب". 

كانت عملية "عناقيد الغضب" محاولة لإسرائيل لإعادة النظر في القواعد التي وضعتها في خلال ظرف استراتيجي سيء. وحُدّدت قواعد اللعبة الجديدة في نهاية ذلك الصراع، باتفاق عُرف ب"تفاهم نيسان 1996" مكرّرًا التفاهم الشفهي السابق، لكن ثُبِّت هذه المرة بشكل مكتوب مشيرًا إلى أنه "لن تستهدف المناطق المؤهولة بالسكان والمنشآت الصناعية والكهربائية بهجمات عسكرية." والجدير بالذكر، وجد حزب الله الفرق الكبير بين استخدام المناطق المدنية كـ"نقطة إنطلاق" للعمليات وبين استخدامها كـ"مواقع لإطلاق الصواريخ". بعبارةٍ أخرى، قد ينطلق مقاتلو حزب الله من المناطق المدنية لإجراء عملياته، من دون إطلاق الصواريخ منها من ثم التراجع إلى بر الأمان مع عدم قدرة إسرائيل لاستهدافهم. 

تأسست مجموعة فرعية لهذه القواعد كما يزعم في عام 2000، بعد نحو خمسة أشهر من إنسحاب إسرائيل من لبنان. وقد بدأت عندما استهدف حزب الله دورية للجيش الإسرائيلي بعبوة ناسفة وقام باختطاف ثلاثة جنود. جاء ردّ إسرائيل باستهداف مواقع لحزب الله وللسوريين بالقصف المدفعي والجوي، كما دخلت مجموعة صغيرة من القوات العسكرية لبنان لملاحقة الخاطفين. من ناحية ثانية، ومع اندلاع الإنتفاضة الثانية على الأراضي الفلسطينية، لم يحبذ رئيس الوزراء إيهود باراك فتح جبهة ثانية في الشمال. عادت عقلية تفاهم نيسان في مزارع شبعا، الأرض الصغيرة التي يزعم حزب الله أنها ما زالت محتلة من قبل إسرائيل، على الرغم من تصديق الأمم المتحدة على إنسحابها.

وبالتالي، شرع حزب الله بالقيام بهجمات على مزارع شبعا كل بضعة أسابيع منذ إنسحاب إسرائيل في 2000 حتى نهاية عام 2002، مؤديًا إلى تبادل نيران محدود. وفي وقت من شهر آذار – مارس 2002، قام حزب الله بقصف يومي طوال أسبوعين على طول مزارع شبعا ردًّا على عمليات الجيش الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب التي تهدف إلى تخفيف حدّة الإنتفاضة الثانية في الضفة الغربية.

وبحلول عام 2002، بعد الموجة الإنتقامية لإسرائيل، واصل حزب الله باستهداف مزارع شبعا، لكن بوتيرة أقل. كما امتنع حزب الله عن استهداف المدنيين الإسرائيليين، طالما إسرائيل ممتنعة هي أيضًا عن استهداف المدنيين اللبنانيين. وأدى ذلك إلى فترة هدوء طويلة غير منقطعة على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية.

وأخيرًا، ساعدت حرب لبنان الثانية في 2006 في تشكيل "قواعد اللعبة" الحالية. وكشفت تلك الحرب مبدأ الحرب التفويضية لدى إيران ضدّ إسرائيل، المبنية على دعم حزب الله بصواريخ طويلة المدى وأنظمة أخرى متقدمة، جاعلة لبنان قاعدة صواريخ أمامية إيرانية.

حتى قبل اندلاع حرب 2006، كان الإسرائيليون على علم بسماح السوريين، بالتعاون مع إيران، لحزب الله بتخزين أنظمة أسلحة على الأراضي السورية. وأثناء الحرب، وفرت سوريا العمق الاستراتيجي لحزب الله من خلال السماح له بالوصول إلى مخزونها الخاص للصواريخ وللأنظمة المضادة للدبابات الروسية الصنع. على نحو لافت للنظر، لم توجه إسرائيل أي ضربة على الأراضي السورية. وبعد إنتهاء الحرب استمروا باستراتيجية تخزين الأسلحة لحزب الله على الأراضي السورية.

كشفت حرب 2006 تغييرات في الجانب الإسرائيلي، أيضًا. فقد اندلعت الحرب بسبب تنفيذ حزب الله لعملية عسكرية قتل فيها ثلاثة جنود وإختُطف جنديين آخريين (إلى جانب خمسة جنود لقوا حتفهم أثناء محاولة لحاقهم بالخاطفين). وسرعان ما أصبح واضحًا أنه لم يعد صنّاع القرار في إسرائيل مقيّدين بتفاهم نيسان. هذا وقد استهدفت إسرائيل بنية حزب الله التحتية حتى في حال وجودها في المناطق السكانية. وفي عام 2008، تقدم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي "غادي إيزنكوت" خطوة إلى الأمام وقدم ما يسمى استراتيجية "عقيدة الضاحية". وأوضح إيزنكوت أن تدمير ربع الضاحية الجنوبية لبيروت في 2006 سيتكرر في كل منطقة سكانية، حيث يغرس حزب الله بنيته التحتية العسكرية. وأضاف: "من وجهة نظرنا، هذه ليست مناطق سكانية بل قواعد عسكرية".

"سادت "قواعد اللعبة" الحالية، منذ دخول حزب الله في الحرب السورية عام 2013."

على الرغم من التقدير السائد في إسرائيل أن الجيش الإسرائيلي كان ضعيفًا في خلال حرب 2006 خصوصًا في المواجهة الميدانية ضد حزب الله، وسمحت "عقيدة الضاحية" إستعادة إسرائيل قوة ردعها إلى حد ما، من خلال رفع تكاليف الحرب على حزب الله. بعد الإنتهاء من الحرب، وبعد ظهور حجم الدمار الهائل في المناطق الشيعية على وجه الخصوص، قال نصرالله في مقابلة له أنه في حال كان على علم من أن الرد سيكون هكذا، فإنه لن يقدم على عملية أسر الجنود الإسرائيليين. وأضاف قائلًا: "نحن لم نفكر حتى 1% أن الأسر سيؤدي إلى اندلاع حرب في هذا الوقت والحجم. لقد سألتموني في حال كنت أعلم أن عملية الأسر في 11 تموز- يوليو قد تؤدي إلى هكذا حرب هل كنت سأقدم عليها؟ أجاوب كلا، بالتأكيد لا."

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي "عمير بيريز" في كانون الثاني – يناير 2007، مراجعة أخرى للعقيدة العسكرية لإسرائيل، مضيفًا تعزيز قدرة إسرائيل للدفاع عن نفسها ضد تهديدات صواريخ  حزب الله، على قواعدها   التقليدية الثلاث: الردع والإنذار  والحسم. يُظهر هذا التغيير إعتراف إسرائيل بالتهديد الذي فرضته قدرات صواريخ بعيدة المدى لدى حزب الله، ليس على المدنيين الإسرائيليين والبنية التحتية فحسب بل أيضًا على قدرة الجيش الإسرائيلي في حشد إحتياطها بسرعة من أجل العملية البرية. هذا التحول كان جزءً من عقيدة الدفاع الشاملة المؤلفة من خمس نقاط، وتحتوي على: الردع والإنذار المبكر والدفاع السلبي والدفاع الإيجابي والهجوم. تطورت هذه العقيدة على مر السنين، كما تعتمد الآن على تطوير الدفاع الصاروخي الباليستي المتكامل الذي يهدف إلى مواجهة تهديدات الصواريخ المتطورة بأحجامها ومداها المختلفة. بالطبع، مواجهة هذا التهديد من خلال منظومة الدفاع الصاروخية، مثل القبة الحديدية (للمدى القصير) أو مقلاع داوود (للمدى المتوسط) أو صواريخ آرووباتريوت (للمدى البعيد) سيكلف ثمنًا باهظًا.

سادت "قواعد اللعبة" الحالية منذ دخول حزب الله في الحرب السورية عام 2013. فقد اقتصرت أعمال حزب الله العدائية في سوريا فحسب. كما سعى إلى إنشاء واقع جديد يذكرنا بتفاهم نيسان 1996 وهو احتمالية مهاجمة حزب الله لأهداف عسكرية إسرائيلية في منطقة الجولان، في حين الحفاظ على لبنان بمنأى عن الإنتقام الإسرائيلي الشديد.

كما ذكر أعلاه، مع نقل حزب الله للأسلحة الاستراتيجية من سوريا إلى قاعدته في لبنان، رأى الجيش الإسرائيلي أن الحل يكون بضرب أهداف حزب الله على الجانب السوري من الحدود. وقد اضطر حزب الله لامتصاص هذه الضربات في سوريا، ما دامت لا تصل إلى لبنان. وبالفعل، إسرائيل قامت بضربة داخل لبنان مرة واحدة منذ عام 2013، عندما اغتالت القائد العسكري الكبير حسن اللقيس في كانون الأول – ديسمر 2013، واقتصر رد حزب الله في الجولان.

بالنسبة لإسرائيل، فإن قيمة الأهداف التي دمرها الجيش الإسرائيلي في سوريا أكثر ما يبرر إنتقام حزب الله الضعيف، وهنا كشف حزب الله عن نقطة ضعف معينة. ومع ذلك، لا يمكن التجاهل أن حزب الله يعزز موقفه ببطء في الجولان. فالنسبة له إن التمدد في سوريا له أهميته الاستراتيجية.

سادساً: التحضير لصراع متعدد الجبهات

طالما عُرف الجنوب اللبناني ب"ساحة معركة تقليدية" بين حزب الله وإسرائيل يعود تاريخها إلى العام 1985. ومع مرور الوقت، إمتد هذا الصراع إلى معقل حزب الله في البقاع الشرقي في لبنان، بالإضافة إلى سيطرته على ضاحية لبنان الجنوبية. أما اليوم يُتوقع إنشاء حزب الله لبنية تحتية عسكرية في كل لبنان. ويتمركز الكثير منها ضمن المناطق المأهولة بالسكان، مما جعل من المسؤول الإسرائيلي الإعلان أن "لبنان بأكمله أصبح الجنوب اللبناني".

مع ذلك، من المرجح عدم إقتصار الحرب القادمة بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.

إذ سيحاول حزب الله نقل بعض من وطأة المعركة إلى سوريا ومرتفعات الجولان. وفي الحقيقة، كشفت الغارة الإسرائيلية في 2015 التي استهدفت موكب لحزب الله وإيران في مزرعة الأمل أن خطة حزب الله وإيران تكمن في ربط مرتفعات الجولان بمعقل حزب الله في الجنوب اللبناني وجعلهما جبهة واحدة ضد إسرائيل. في الواقع، لمح نصرالله عن هذا الهدف في خطاب له في 30 من كانون الثاني – يناير 2015، مردّدًا تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد.

عكس اغتيال إسرائيل لسمير القنطار في كانون الأول- ديسمبر 2016 لمحة عن هذه الاستراتيجية.  فبحسب ما ورد، تم تكليف القنطار من قبل حزب الله لتجنيد عناصر من الدروز في مرتفعات الجولان لشن عمليات ضد إسرائيل. وكان يعمل لتشكيل "حزب الله سوريا"، وهي عبارة عن ميليشيا سورية بقيادة وسيطرة إيران تعمل مع السكان الدروز المحليين. كما قامت هذه القوة الجديدة بعدد من

الهجمات بالعبوات الناسفة في منطقة الجولان. ولا يزال من غير الواضح مدى خطورة هذه الميلشيا الجديدة على إسرائيل.

هذا وورد أيضًا أن حزب الله يعمل على بناء منشآت عسكرية جديدة في سوريا، ممّا يوفر قاعدة للعمليات هناك لراعيه الإيراني.

ينتج عن ذلك آثار خطيرة على إسرائيل. وعلى ما يبدو يكمن هدف حزب الله في نقل المعركة بعيدًا عن موطنه الرئيسي لبنان، وإجبار إسرائيل على مواجهة صراع متعدد الجبهات أكثر تعقيدًا بالإضافة إلى تقييد عمل إسرائيل أكثر. وهذا ما يفسر تحضير إسرائيل لهذا الصراع المتعدد الجبهات، كما يفسر عدم التردد في استهداف موكب حزب الله والحرس الثوري الإيراني في القنيطرة في كانون الثاني –يناير 2015، لتوضيح أن سيطرة حزب الله على أراضي في الجولان لن يكون مقبولًا.

"الصراع المتعدد الجبهات الذي يضم سوريا قد يكون تحديًا إضافيًا من المنظور الإسرائيلي وعاملًا إيجابيًا بعيون حزب الله."

يفهم الجيش الإسرائيلي ميول حزب الله بتوريط إسرائيل في حرب سوريا المعقدة، من خلال وضع كل من الغارات المتفرقة على أهداف حزب الله والمساعدة المحدودة لجرحى المقاتلين الثوار في الحدود الشمالية في خانة واحدة، فمن الصعب توقع كيفية تصرف الجهات المقاتلة المتعددة في سوريا في الحرب المقبلة بين حزب الله وإسرائيل التي ستتمدد إلى سوريا. حتى الآن، فإن قدرة إسرائيل للبقاء خارج الصراع له منفعة استراتيجية، سامحًا للبلاد بأن تكون مجرد متفرج أو حتى بأن تساعد بشكل هادئ في تكوين نتيجة الحرب حيث ينهمك أعدائها في صراع فتّاك. الصراع المتعدد الجبهات الذي يضم سوريا قد يكون تحديًا إضافيًا من المنظور الإسرائيلي وعاملًا إيجابيًا بعيون حزب الله.

سابعاً: دور روسيا

يُعتبر دخول روسيا إلى الحرب السورية لصالح الديكتاتور بشار الأسد، عاملًا إضافيًا على إسرائيل مواجهته. يشارك الروسيون الإيرانيين من خلال تقديم الدعم للأسد. هذا وقد سافر قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى موسكو في تموز – يوليو 2015 للقاء كبار المسؤولين الروسيين لتنسيق حملة عسكرية لدعم نظام الأسد. وتشير التقارير إلى أن زيارة سليماني في تموز سبقها إتصالات عالية المستوى بين إيران وروسيا، وأهمها بين وزير الخارجية الروسي "فلاديمير بوتين" والمرشد الأعلى علي الخامنئي.

مع توطيد التعاون، قدمت روسيا الدعم الجوي لمهمات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الميدانية، مما أدت إلى مكاسب فورية للقوات الموالية للأسد. كما تشير التقارير أن الأسلحة الروسية المتطورة التي بيعت لسوريا ( صواريخ "ياخنوت" المضادة للسفن، وصواريخ "SA-22" أرض – جو، وصواريخ " SA-17 " أرض – جو)، قد تكون الآن في يد حزب الله.

في ظل إنزعاجهم من دخول روسيا الحرب، قصد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" موسكو بصحبة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "غادي إيزنكوت" للقاء نظرائهم الروسيين ولتوضيح مخاوف إسرائيل. وأثناء إعرابهم عن عزمهم للمضي قدمًا في عملياتهم، اعترف الإسرائيليون أن الإستمرار بتوجيه الضربات على أهداف لحزب الله أو حتى لإيران في سوريا قد يسبب تصادم عرضي مع الطائرات الروسية أو حتى قتل أفراد روسيين وبالتالي إلى احتمالية بروز أزمة دولية.

ساعدت المشاورات الإسرائيلية - الروسية على ما يبدو في إنشاء آلية تنسيق مشتركة لتجنب المواجهات غير المقصودة. وبحلول تشرين الأول – أكتوبر 2015، استأنفت إسرائيل عملياتها في سوريا في شن الضربات بشكل متكرر ضد أصول لحزب الله وقادة وقوافل أسلحة. ولم تدفع أي من هذه الأنشطة إلى رد فعل روسي. 

ومع ذلك، قد يفرض التدخل الروسي بعض القيود على الأنشطة الإسرائيلية. على سبيل المثال، تشعر إسرائيل بالقلق حيال احتمالية استهداف طياريها الذين يحلقون ضمن مجال بطارية الصواريخ الروسية S-400 المضادة للطائرات، المتمركزة في سوريا. كما يبدو وجود تحديد فعّال للأراضي، حيث تستطيع إسرائيل استكمال تنفيذ مهامها في استهداف شحنات الأسلحة الإيرانية وحزب الله ونظام الأسد، وتقع هذه المساحة التي تغطي حدود لبنان الشرقية مع سوريا، بما في ذلك، الجانب السوري، تحت سيطرة حزب الله. هذا وتعتبر منطقة الجولان، حيث ترى إسرائيل إنشاء "المحور الإيراني" لمنشآت عسكرية فيها خطًا أحمرًا، جزءً من هذه المساحة لاستكمال العمليات الإسرائيلية.

للتأكيد، تجنبت كل من إسرائيل وروسيا وقوع تصادم كبير بفضل قنوات التواصل المفتوحة. فبعد استهداف تركيا لطائرة روسية في تشرين الثاني – نوفمبر 2015 على الحدود السورية، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي أن تصادمًا مماثلًا بين موسكو والقدس قد تم تجنبه، مما يدل على أن آلية اجتناب الصراع تعمل على نحو جيد.

ومع ذلك، استمرت التوترات. ففي نيسان – أبريل 2016 قبل زيارة نتنياهو الثانية إلى روسيا، ذكرت وسائل الإعلام الإسرئيلية أن طائرة روسية أو أكثر أقلعوا للّحاق بالسرب الإسرائيلي الذي يحلق على طول الساحل السوري، الذي قد يكون لتحديد روسيا للمساحة المسموحة للعمليات لإسرائيل. جاء اللقاء كتذكير أن التفاهم بين إسرائيل وروسيا ما زال بدائيًا وغير واضحًا. وفي الواقع، اعترف نتنياهو أن زيارته لروسيا في وقت لاحق من ذلك الشهر تهدف إلى الوصول إلى مزيد من الوضوح بين كلا الجانبين. وعلى نحو مماثل، ركزت زيارته الثالثة في السنة نفسها إلى روسيا في حزيران 2016 على توطيد التعاون الأمني القائم وآليات التعاون. 

على الرغم من عدم تحقيق آمال حزب الله الأولية في الحصول على مظلة روسية ضد ضربات إسرائيل في سوريا، يبقى سبب القلق الإسرائيلي حاضرًا، إذ يستفيد حزب الله من عمله مع ضباط روسيين جنبًا إلى جنب. وتشير التقارير إلى أن روسيا قد أنشأت مركزي عمليات مشترك مع حزب الله وإيران، في سبيل تنسيق أنشطتهم الإستخباراتية. ويبقى من غير الواضح استمرار هذا التعاون أثناء نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله، أو أن الظهور الروسي العسكري في سوريا قد يعقد استمرارية إسرائيل في حرب مستقبلية.  

ثامناً: احتمالية دخول إيران وحلفائها في الصراع

إضافة إلى القيود بالنسبة لإسرائيل، يظهر الاحتمال الواقعي بمشاركة القوات الإيرانية مع حزب الله في المعركة أثناء المواجهة المقبلة ضدّ إسرائيل. إذ بالفعل يقاتل كل من الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران إلى جانب حزب الله في ساحات القتال في سوريا والعراق. فعلى الرغم من افتقارهم للتدريبات وعدم مجاراتهم للجيش الإسرائيلي المحترف، ساعدت هذه المليشيات ضمان بقاء الأسد، بالإضافة إلى إمكانية إستخدامها لإرباك الجيش الإسرائيلي في المعركة الميدانية.

بالفعل كان الحرس الثوري الإيراني جزءً لا يتجزأ عن حزب الله في خلال المعركة الأخيرة. ومع تقدم الحرب، كشفت الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعمل حوالي 100 مقاتل ومستشار من الحرس الثوري الإيراني بالنيابة عن حزب الله في الأراضي اللبنانية. وعلى الرغم من نفي إيران لهذا الخبر، أعلن

الجيش الإسرائيلي عن وجود أوراق على جثث المقاتلين في جنوب لبنان تثبت إنتمائهم للحرس الثوري الإيراني. وسرعان ما حدّدت الإستخبارات الإسرائيلية أن الحرس الثوري الإيراني كان يساعد حزب الله في تشغيل أنظمة الأسلحة المعقدة. وبالتأكيد أدت هذه المساعدة إلى زيادة قدرات حزب الله.

هذا ويمكن لإيران الإستعانة بحلفائها الفلسطينيين من أجل نشر العنف في إسرائيل، ويعتبر ولاء "الجهاد الإسلامي" في فلسطين لإيران مطلقًا، كما التزمت طهران بتزويد الجماعة بميزانية ثابتة عبارة عن 70 مليون دولار أميركي. وبينما لا يعلم إلا القليل عن "حركة الصابرين"، تشير التقارير أن ولائها لإيران غير مزعزع.

أما بالنسبة لعلاقة إيران مع حماس فقد شهدت توترًا في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات حول الحرب الأهلية السورية، ولكن التعمق في هذا الخلاف كان مبالغًا فيه. فقد واصلت قيادات حماس زيارة طهران بشكل دوري لإعادة التأكيد على قوة علاقتهما، كما اتخذت إيران دورا مهمًا في تسليح هذه الجماعة الإسلامية في خلال حرب 2014.

ومن المفترض إشراك حماس في ظل الصراع الدائر بين إسرائيل وحزب الله، فقد تجبر الجماعة الإسرائيليين بتحوييل القبة الحديدية والبطاريات المضادة للصواريخ إلى الجبهة الجنوبية مع غزة، تاركة الجبهة الشمالية أقل حماية ضد ترسانة حزب الله للصواريخ الأكثر خطورة. لهذا السبب، أجرى الجيش الإسرائيلي في تموز – يوليو 2015 تدريبًا مفاجئًا – الأضخم في السنوات الأخيرة -  ويحاكي هذا التدريب سقوط الصواريخ من لبنان وقطاع غزة. كما قد يؤدي خطر شن حماس لهجوم من خلال أنفاق عبر الحدود أو البحر إلى تحويل إسرائيل قواتها البرية إلى الجنوب.

في الوقت نفسه، قد تستعد إيران لشن ضربات من خلال حلفائها في الضفة الغربية كذلك. فقد أعلنت إيران في آب - أغسطس 2014 عن جهودها بتسليح الفلسطنيين، من خلال كلمة لرئيس لجنة فلسطين في البرلمان الإيراني ناصر السوداني، قائلًا:" لن يتحقق تدمير إسرائيل إلا من خلال تسليح الفلسطنيين... في الضفة الغربية." مرددًا ذلك المرشد الأعلى علي الخامنئي عندما قال:" يجب تسليح الضفة الغربية كما غزة".

تاسعاً: حزب الله أكثر قوة من السابق

بالنسبة لمخططي الحرب الإسرائيليين، إن قوّة حزب الله تزيد من احتمالية قتله لأعداد كبيرة من الإسرائيليين والتسبب بأضرار جسيمة في البنية التحتية الإسرائيلية، إذ قد تؤدي الخبرة التي يكتسبها في خلال سنوات القتال الخمس بالنيابة عن الأسد، إلى تحسين قدراته وقيادته وسيطرته التكتيكية. وعلاوةً على ذلك، تتيح الحرب السورية للمجندين الصغار الجدد فرصة لاختبار معركة حقيقية.

ومع ذلك، قال قائد وحدة النخبة "إيغوز"، التي تتمثل مهمتها بمحاربة حزب الله ميدانيًا في جنوب لبنان، أن قدرات حزب الله المعززة التي اكتسبها في سوريا لا تقلقه، كما يفترض أن حزب الله في سوريا هو بمثابة جيش نظامي يقاتل جماعات غير نظامية، التي بدورها تعتبر أقل شأنًا إلى حدّ كبير نوعًا وكمًا من الجيش الإسرائيلي.

في النهاية، إن أكثر ما يهم هو التدريب المستمر لحزب الله في حرب العصابات. فأيّما كان نجاح حزب الله في إحباط الجيش الأكثر قوة في الشرق الأوسط، فهو نتيجة لمعركة غير نظامية. إذ يحتاج حزب الله إلى تلك الإحباطات للإستمرار في حربه القادمة.

لكن، تعدُّ حرب العصابات جزءً من المعادلة. فقد تطورت ترسانة حزب الله نوعًا وعددًا. ووفقًا لمسؤول إسرائيلي كبير، يملك حزب الله "أسلحة دقيقة" بالإضافة إلى أنظمة SA-22 المضادة للطائرات وصواريخ "ياخنوت" المضادة للسفن. إذ بإمكان حزب الله إستخدام الأخيرة لاستهداف السفن البحرية الإسرائيلية، مما يحدّ من قدرة الدولة اليهودية على فرض حصار بحري على لبنان، يهدّد منصات الغاز البحرية الإسرائيلية. هذا وقامت البحرية الإسرائيلية بتدريبات عسكرية تحاكي هذه الهجمات.

" تؤدي الخبرة التي اكتسبها حزب الله في خلال السنوات الخمس من القتال بالنيابة عن الأسد، إلى تحسين قدراته وقيادته وسيطرته التكتيكية."

إعتبارًا من أواخر عام 2015، يمتلك حزب الله حوالي 10 صواريخ "سكود" برؤوس حربية تقليدية، قدمتها سوريا. كما يملك أيضًا قذائف بعيدة المدى قدمتها كل من سوريا وإيران. فعلى سبيل المثال، رفعت إيران قدرات حزب الله الصاروخية من خلال تزويده بصواريخ "زلزال 2" الذي يبلغ مداه إلى أقرب من 130 ميلًا، مما يجعله قادرًا على الوصول تقريبًا إلى أي نقطة في إسرائيل.

يكمن السبب الآخر للقلق الإسرائيلي في امتلاك حزب الله لصواريخ سلسلة "فاتح" التي قدمتها كل من إيران وسوريا. هذا وتم الكشف عن الجيل الرابع من فاتح 110-D1 في 2012 مفتخرين بمداه الذي يصل إلى 190 ميلًا، وبنظام التوجيه الأكثر دقةً وقابليته لحمل رأسًا حربيًا يصل إلى 650 كيلوغرام. في الوقت نفسه، ينتاب الإسرائيليون القلق من حصول حزب الله قريبًا على صاروخ "فاتح "313 إيراني الصنع، الذي يبلغ مداه أكثر من 300 ميلًا.

من ضمن الأسلحة المتطورة الأخرى التي يمتلكها حزب الله الآن هي طائرة "أبابيل" من دون طيّار إيرانية الصنع، وقد تم بالفعل استخدام هذه الطائرة الإستطلاعية من دون طيّار، التي تستطيع حمل 88 رطلًا (باوند) من الرؤوس الحربية شديدة الإنفجار، في التجسس على إسرائيل. وتشير التقارير إلى امتلاك حزب الله على الأقل 12 طائرة منهم. فهي تمنح فرصة التجسس على تحركات الجيش الإسرائيلي  والقيام بمهام الإستطلاع على مواقعه. والجدير بالذكر، أطلق حزب الله في 2005 طائرة من دون طيّار (يفترض أنها من نوع "أبابيل") فوق إسرائيل مباشرة من شمال الحدود. وقد راقبت أهدافًا في الجليل الغربي لمدة تسع دقائق قبل أن تعود أدراجها سالمة إلى لبنان.

تثير حجم ترسانة حزب الله الضخمة الإعجاب. ففي تشرين الثاني – نوفمبر 2009، صعد الكوماندوس الإسرائيلي سفينة "فرانكوب" قبالة سواحل إسرائيل، التي تحمل 500 طن من الأسلحة الإيرانية، تشمل 685 صاعق صاروخ، وحوالي 2,900 صاروخ كاتيوشا عيار 170 ملم و120 ملم، بالإضافة إلى 9000 قذيفة هاون، و3,000 قذيفة مضادة للدبابات عديمة الإرتداد عيار160 ملم، و21,000 قنبلة يدوية متشظية من نوع F-1، إلى جانب 566,220 قذيفة من نوع AK-47. هذا وقدّر الجيش الإسرائيلي أن بضائع سفينة "فرانكوب" تعادل فقط 10% من تجهيزات حزب الله في ذلك الوقت.

أما اليوم، تقدّر إسرائيل إمتلاك حزب الله ما يقارب 150,000 صاروخ، على عكس ال 14,000 صاروخ قبل حرب 2006. ومن المؤكد أن غالبية قذائف حزب الله هي صواريخ "كاتيوشا" قصيرة المدى، التي تسبب أضرارًا طفيفةً نسبيًا. ومع ذلك، إطلاق هذه الصواريخ بكميات كبيرة، قد يعطّل الحياة الإقتصادية وتسبب بإجلاء جماعي بالإضافة إلى تحطيم معنويات الشعب الإسرائيلي في الجزء الشمالي من البلاد.        

"تقدّر إسرائيل إمتلاك حزب الله ما يقارب 150,000 صاروخ، على عكس ال 14,000 صاروخ قبل حرب 2006."

في غضون ذلك، حذّر نصرالله أن الحرب القادمة ستحتوي على "العديد من المفاجآت" وستكون أكثر عنفًا وتدميرًا لإسرائيل. كما هدّد الإسرائيليين بتعليق العمل في مطار "بن غوريون" وميناء "حيفا". ومن الجدير بالذكر، أنه أثناء حرب 51 يومًا في 2014، أطلقت حماس ما يقارب 3,500 صاروخ مسببةً الفزع لشركات الطيران من هبوط طائراتها في إسرائيل، وبالتالي توقفت السياحة كليًا. علمًا بأن صواريخ حماس أقل دقة وتدميرًا بشكل كبير من صواريخ حزب الله.

إضافة إلى ذلك، هدّد نصرالله بمهاجمة منشآت "أمونيا" في حيفا، وحتى المفاعل النووية في "ديمونا". وعلى الرغم من اجتزاء كبار ضباط الجيش الإسرائيلي لهذه التهديدات، يبقى القلق الحقيقي من استهداف حزب الله بشكل دقيق لمنشآت حيوية أخرى، قائمًا، كمنصات إسرائيل للغاز، ومطاراتها وموانئها. هذا ويستطيع حزب الله أيضًا عرقلة تحركات القوات إلى الخطوط الأمامية من خلال ضرب الطريق السريع لإسرائيل.    

علاوةً على القلق المنبثق من تعمّد حزب الله إستهداف العمق الإسرائيلي. ففي 2006، ومع القدرات المحدودة أمطرت المجموعة وابلًا من الصواريخ يوميًا على حيفا وصلت إلى الجنوب حتى الخضيرة باستخدام صواريخ من طراز M-302 (يطلق عليها إسم "خيبر 1) سورية الصنع. كما هدّد نصرالله تكرارًا أن تل أبيب ستكون هدفًا للصواريخ الثقيلة في الحرب المقبلة. وتجدر الإشارة إلى وقوع تل أبيب في قلب منطقة "غوش دان" وسط إسرائيل، المنطقة الأكثر إكتظاظَا بالسكان ومركز تجاري حيوي، إذ تحتوي على 45% من سكان إسرائيل. إن إستهداف هذه المنطقة قد يعطّل بشدة التجارة الإسرائيلية.

كما تتوقع إسرائيل امتلاك حزب الله لشبكة واسعة من الأنفاق لنقل الجنود، وإخفاء الصواريخ، وزرع الكمائن للجنود الإسرائيليين. هذه الأنفاق ليست بجديدة. فبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، بنى حزب الله بنية تحتية واسعة تحت الأرض – المعروفة بإسم "المحميات الطبيعية" (شيموروت تيفا) في لغة الجيش الإسرائيلي _ في جميع أنحاء جنوب لبنان وقراه. وعندما دخلت القوات الإسرائيلية البلاد عام 2006، كشفتهم الأنفاق على حين غرة. وبعد الحرب، اكتشفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ما لا يقل عن 33 من هذه الأنفاق منتشرة في أنحاء الريف جنوب لبنان. تتميز هذه الأنفاق تحت الأرض بأنها محصنة ضد القصف الجوي أو المدفعي، ومواقعها القريبة من الحدود مع إسرائيل تسمح لحزب الله بالإستمرار بإطلاق الصواريخ  على شمال إسرائيل أثناء الحرب وزرع كمائن للجنود الإسرائيليين في الجنوب اللبناني.

يوسع حزب الله اليوم شبكة أنفاقه. فقد شكا سكان شمال إسرائيل من سماع أصوات حفر أنفاق، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تمشيط الشمال تحسبًا لأي هجوم محتمل عبر الأنفاق لكن من دون جدوى. في 25 أيار – مايو 2016، وبمناسبة الذكرى ال16 للإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، أشارت "السفير" الجريدة الموالية لحزب الله  أن حزب الله كان في الواقع يحفر الأنفاق، مسببةW القلق للمستوطنين ولجنود العدو، من دون التوضيح في حال كانت تقتصر على الأراضي اللبنانية أو عبر الحدود إلى إسرائيل.

  "شكا سكان شمال إسرائيل من سماع أصوات حفر أنفاق، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تمشيط الشمال تحسبًا لأي هجوم محتمل عبر الأنفاق لكن من دون جدوى."   

في حرب مستقبلية، يمكن التوقع بوصول حزب الله إلى الجليل والإستيلاء على أراضي إسرائيلية. ففي آب – أغسطس 2012، أجرى حزب الله أضخم تدريباته على الإطلاق، وشارك فيها 10,000 مقاتلًا، لتحضيرهم لاحتلال مناطق الجليل الأعلى. ومع ذلك، من غير المنطقي توقع قدرة حزب الله على احتلال هذه الأرض. على الأرجح، هدفه هو الاحتلال حتى لو لبضع ساعات، أي بلدة صغيرة أو مزرعة يهودية على الحدود، لتسجيل إنتصاراً نفسيًا ودعائيًا. وبالتالي يتدرب الجيش الإسرائيلي لمواجهة هكذا سيناريو.  

ولأن حزب الله يدرك أن إحدى مزايا إسرائيل هي تفوقها الجوي التام على لبنان، فسيحاول استهداف مدارج القواعد الجوية الإسرائيلية. وفي حين عدم ترجيح نجاح هذا الهجوم، لا سيما أنه يتطلب إلى إطلاق نار كثيف بشكل دقيق ومستمر، ظهرت تقارير غير مؤكدة عن وضع إسرائيل لهذا التهديد على محمل الجد من خلال إعتبار شرائها لطائرات F-35B للإقلاع القصير والهبوط العمودي حلًّا للتعامل مع هكذا احتمال. ونظرًا للتكلفة العالية لطائرات F-35B، وطبيعة أسلحة حزب الله غير الدقيقة للغاية، من المرجح تفضيل إسرائيل إستخدام الطرق السريعة وغيرها من مهابط الطائرات بدائية الإقلاع والهبوط. 

يعمل حزب الله على رفع مستوى قدراته الدفاعية المضادة للطائرات على أمل تقييد حرية سلاح الجو الإسرائيلي التشغيلية الكاملة فوق الأجواء اللبنانية. كما يُشتبه بامتلاك حزب الله لعدد من الصواريخ المضادة للطائرات روسية الصنع، بما في ذلك، حاملة القذائف SA-18، بالإضافة إلى SA-17 و SA-22 الأكثر تطورًا.

علاوةً على ذلك، حصلت رحلات استطلاع إسرائيلية على دلالات أن حزب الله يمتلك رادار متطور لمساعدة الأنظمة المضادة للطائرات لالتقاط الطائرات الإسرائيلية. كما هو الحال في الحروب الماضية، فقد تم تجهيز طائرات إسرائيلية بإجراءات معاكسة لتحييد هذا التهديد، وكثيرًا ما تحلق هذه الطائرات مع وجود الأنظمة نفسها في سوريا. إذ يهدف حزب الله إلى تهديد المروحيات الإسرائيلية والطائرات بدون طيار التي تحلق على ارتفاع منخفض. فعلى سبيل المثال، قد يتطلع حزب الله لاستهداف المروحيات لإسقاط الجنود شمالًا في البقاع.

"بكل المقاييس، الحرب المقبلة مع حزب الله ستكون أكثر صعوبة من المواجهات السابقة."   

تستعد إسرائيل لعدد كبير من الصواريخ، إذ تتكلم عن آلاف القتلى المدنيين، ناهيك عن الخسائر الفادحة والأضرار. كما يتدرب الإسرائيليون على كيفية إجلاء مجمعات بأكملها من منطقة الجليل شمال إسرائيل، في الوقت الذي تعمل فيه لتعزيز دفاعاتها على طول الخط الأزرق.

 بكل المقاييس، الحرب المقبلة مع حزب الله ستكون أكثر صعوبة من المواجهات السابقة.

عاشراً: الجيش الإسرائيلي ما زال الجيش الأكثر قوة في المنطقة

بمقدار الدمار الذي قد يسببه حزب الله في إسرائيل، لا يمكن المبالغة بتفوق الجيش الإسرائيلي وقدرته على شن الضربات الإنتقامية على حزب الله وبالتالي لبنان.

في عام 2006، على الرغم من فشل الجيش في إحراز المعايير الإسرائيلية، شنت القوات الجوية ضربات جوية على حزب الله. مما أدى إلى خسارة المنظمة الشيعية ما بين 500 و700 من مقاتليها وأغلبية صواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. كما سببت الحرب دمارًا بمقدار 2.5 مليار دولار للبنية التحتية المدنية في لبنان.

في خلال العقود منذ حرب لبنان الثانية، طوّرت إسرائيل قدراتها الميدانية. كما زادت من إنتاج ناقلات جنود مدرعة، بهيكل يشبه هيكل دبابة "الميركافا" المتين التي يملكها الجيش الإسرائيلي، لتحل محل ناقلة الجنود المدرعة M-113 الأكثر عرضة في حقبة الحرب الفيتنامية. كان أداء النوع الجديد لناقلات الجنود جيّدًا أثناء الصراع مع حماس في 2014، فهي مضادة للتفجيرات ومنقذة للأرواح، ولكن كان القليل منهم قيد الإستعمال في ذلك الوقت.

هذا وطوّرت إسرائيل نظام الحماية النشط "تروفي"، الذي انسجم مع منادي ناقلات الجنود ودبابات ميركافا Mk 4. إذ يعترض هذا النظام ويدمر الصواريخ القادمة من خلال إنفجار يشبه الطلقات النارية. وهو أداة لمحاربة تهديد ال(ار بي جي)، القاذف الصاروخي العديم الإرتداد، الموجه ضد المركبة- وهو تكتيك يسمى "الإزدحام" ،استخدمه حزب الله لإختراق المدرعات الإسرائيلية في الماضي-  وتهديد الأسلحة الموجهة المضادة للدبابات مثل "الكورنيت". 

 فضلًا عن ذلك، تطور إسرائيل الصواريخ الموجهة القائمة على أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة، مثل نظام تحديد المواقع الموجه "رومانش"،  بدرجة عالية من الدقة تصل إلى أكثر من 35 كيلومتر. بالإضافة إلى ذلك، فقد وسّعت تطويرها لصواريخ "تموز" الموجهة ولقذائف المدفعية الموجهة مع نظام تحديد المواقع المعروفة بإسم "الرصاصة الفضية" بالإضافة إلى مدافع الهاون الموجهة مع نظام تحديد المواقع المعروفة بإسم "هورنيت". تزوّد هذه الأنظمة القوات البرية الإسرائيلية بالقدرة على الرد بشكل دقيق وسريع على مقاتلي حزب الله الذين يطلقون صواريخ "الكاتيوشا"، بدلًا من الإعتماد على الضربات الجوية وحدها.

هذا وطوّرت إسرائيل قدرات المراقبة لديها وطائراتها بدون طيار من خلال إدراج طائرتي "هيرمس 900" و"أيتان"، التي تحتويان على أجهزة إستشعار وقدرة تحليق لوقت أكثر بالإضافة إلى أنظمة أسلحة جديدة. مما يسمح لمراقبة مستمرة للجيش الإسرائيلي على جنوب لبنان ومناطق أخرى تابعة لحزب الله. كما حسّن الجيش الإسرائيلي قدرته على الرد بسرعة على حزب الله من خلال ربط المنصات الجوية والأرضية بشبكة واحدة لنقل المعلومات الإستخباراتية والقيادة والسيطرة.

كذلك، زادت إسرائيل بنك أهداف حزب الله. ومع ذلك، تشكل هذه الأهداف تحديًا جديًا للجيش الإسرائيلي. فهي إمّا مجاورة للبنية التحتية المدنية أو تقع داخلها. وفي الواقع، تنقل مصادر إسرائيلية أن حزب الله قد أنشأ بنية تحتية عسكرية داخل المنازل والمدارس والمباني السكنية وحتى المستشفيات في جميع أنحاء لبنان.    

وكان يُعتقد بدايةً اقتصار استراتيجية حزب الله في طمر التجهيزات العسكرية داخل المناطق المدنية في القرى الشيعية فحسب وذلك بهدف الحد من قدرة الجيش الإسرائيلي على الرد خوفًا من الأضرار الجانبية. فقد نشأ هذا المنهج بعد حرب 2006، عندما بدأ حزب الله بمشروع بناء منازل للعائلات الشيعية المحتاجة مع إجبارهم على تخبئة قاذفة صاروخ واحدة على الأقل وعدة صواريخ وسوف تطلق على إسرائيل عند إعطاء الأوامر.

هذا وقد وضع حزب الله مواقع دفاع مموهة في القرى، تحتوي على صواريخ مضادة للدبابات روسية الصنع أو إيرانية أو صينية أو حتى من شمال كوريا، بالإضافة إلى زرعه عبوات ناسفة كبيرة الحجم على طول الطرق وتحويل الأبنية الكبيرة في القرى إلى مخابئ للأسلحة. بهذه الطريقة، قامت المنظمة بتحويل حوالي 180 قرية وبلدة شيعية بين نهر الزهراني والخط الأزرق إلى ساحات للقتال.

لسنوات كانت تحذر إسرائيل لبنان أن الحرب القادمة ستكون مختلفة من سابقاتها. في 2012، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بينيامين نتنياهو" أن إسرائيل ستحمّل الدولة اللبنانية المسؤولية في حال تحريض حزب الله على الحرب، وبالتالي لن يفرّق الرد العسكري بين حزب الله والجمهورية اللبنانية. وبالمثل، حذّر اللواء "يانير جولان" أن الحرب في المستقبل مع لبنان ستكون "أقصى بكثير"، مشيرًا إلى أن الصراع قد يؤدي لدمار هائل للبنان، بسبب وجود حزب الله داخل المناطق المدنية إذ ما من طريقة أخرى للقضاء على هذا التهديد.

حادي عشر: الحرب لإنهاء جميع الحروب أو توليد الكثير منها؟  

سيخلق تمركز حزب الله داخل القرى المدنية التبرير للإسرائيليين لضربها. ولكن هذا لا يعني تدمير إسرائيل لهذه الأهداف بغض النظر عن الأضرار الجانبية. إذ تدرك قيادة الجيش الإسرائيلي تمامًا أن حزب الله سيستغل صور الضحايا المدنيين اللبنانيين من أجل جعل الولايات المتحدة وأوروبا تضغط على إسرائيل  لوقف إطلاق النار سابق لأوانه. وهذا ما فعله حزب الله بالتحديد في عام 1996 وبعدها في عام 2006، وليس من الصعب توقع تهديد إيران من الإنسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة للغرض نفسه.

في النهاية، تعتمد استراتيجية حزب الله على تعطيل التصعيد الإسرائيلي من أجل الحصول على وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن. وفي الواقع، فإن الحرب التي لا تنتهي بشكل حاسم لصالح إسرائيل، سوف تُسجل إنتصارًا لحزب الله ورعاته.

ولهذا، اقتنع مخططو الحرب الإسرائيليين بحاجتهم إلى جولة أخرى لا لتكون مختلفة بل حاسمة. وقال رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي "غابي أشكنازي" أنه من غير المسموح طرح السؤال "من الذي فاز؟" في الحرب المقبلة.

تستنتج العقيدة الجديدة للجيش الإسرائيلي تصورات استرتيجية بناءً على الصراعات السابقة وهي:

- سينشر الجيش الإسرائيلي فورًا قوة كبيرة في عملية أسلحة موحدة.
- ستكون المناورة الميدانية فورية، وستبرز بشكل واضح.
- ستكون القدرات البحرية والجوية والميدانية متكاملة وستعمل بوقت واحد.

هذا وتحدثت مصادر عسكرية إسرائيلية عن خطط لأخذ الحرب إلى نهاية سريعة وحاسمة. ومع ذلك، قد يكون ضروريًا تمديد فترة الصراع من أجل توجيه ضربة كافية لحزب الله.

تكمن المشكلة التي أشار إليها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق "موشيه أرنز" في إستعداد حزب الله للمواجهة القادمة ضدّ إسرائيل بطريقة أفضل وأكثر قدرة على جلب الدمار للمدن الإسرائيلية. وهكذا، كلما طالت الحرب، كلما سبب ذلك بدمار أكبر لإسرائيل.

"الحرب التي لا تنتهي بشكل حاسم لصالح إسرائيل، سوف تُسجَل إنتصارًا لحزب الله ورعاته."

من وجهة نظر إسرائيلية، سيكون من الضروري إمتصاص تلك الضربات. فالإسرائيليين يدركون تمامًا أن حزب الله سيكون محميًا من قبل "المظلة النووية الإيرانية".

الساعة تدق وفرصة إسرائيل لهزيمة حزب الله في ظل الإتفاق النووي الإيراني لا يمكن تجاهلها.

ثاني عشر: التوصيات السياسية

- على الولايات المتحدة إتخاذ تدابير معينة لتأخير إندلاع الحرب ولإضعاف حزب الله  من أجل ضمان آثار إيجابية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة عند إندلاع الحرب. قد يكون تطبيق القرار 1701، الذي يدعو لنزع سلاح جميع الفئات اللبنانية، الحل الأنسب المتاح. ومع ذلك، فشلت الأمم المتحدة بتنفيذ توصياتها الخاصة. عليه، يجب النظر في سياسات الولايات المتحدة الأخرى:

- على الولايات المتحدة إعادة النظر في سياستها الفاشلة في سوريا. إذ لم تسمح السياسة الحالية بتوسيع  سيطرة حزب الله وإيران على مناطق  فحسب، بل شرّعت أيضًا موقع إيران في سوريا ومكّنتها من الحفاظ على جسر بري مع حزب الله.  كما سمحت لحزب الله وإيران وسوريا بتحويل مرتفعات الجولان إلى قاعدة عسكرية أمامية.  وتشكل هذه التطورات خطرًا مباشرًا على إسرائيل وعلى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فالحرب السورية هي حرب من أجل النظام الإقليمي وتوازن القوى، واضعةً إيران وحلفائها في جهة وحلفاء أميركا السنة التقليديين في جهة أخرى. كما يجب أن يكون هدف سياسة الولايات المتحدة في سوريا هو هزيمة المعسكر الإيراني. لكن مع الأسف، فالسياسة المتبعة في عهد أوباما كانت لتقوية هذا المعسكر

- على الولايات المتحدة أن توضّح من خلال المسارات الدبلوماسية والدفاعية، العواقب الوخيمة  لإستمرار تسليح إيران لحزب الله. فعلى سبيل المثال، لم تُعاقب إيران على تزويد حزب الله بأنظمة أسلحة متطورة. على الرغم من أهمية فرض عقوبات بحق حزب الله إلا أن إستهداف مصدر الأموال "إيران" أكثر أهمية.  فقد هددت إيران من الإنسحاب من الإتفاق النووي في حال فُرض عليها عقوبات غير متعلقة بالملف النووي. ولا يمكن للبيت الأبيض الرضوخ لهكذا ضغوطات.

- على الولايات المتحدة إتخاذ خطوات إضافية غير التي تم اتخاذها سابقًا، لاستهداف تمويل حزب الله على نطاق عالمي. إذ بدأت بالفعل العقوبات الحالية في التأثير على حزب الله خصوصًا عند موافقة المصارف اللبنانية باتخاذ إجراءات في الداخل. بالإضافة إلى تللك الجهود، كلما زاد التعاون مع  شركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي كلما ساهم هذا في تحرير حلفائنا الأوروبيين من فكرة التمييز بين الجناح السياسي والجناح العسكري لحزب الله. وهكذا، لن يميز حزب الله بحد ذاته بينهما.

- على الولايات المتحدة أن تكون على علم باحتياجات إسرائيل العسكرية في وقت مبكر من حربها مع حزب الله.  قد تشمل هذه الإحتياجات زيادة في التمويل لصواريخ إعتراضية إضافية لمنظومة الدفاع الصاروخية مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود، بالإضافة إلى تكنولوجيا البحث عن أنفاق وتدميرها. وعلى الأغلب احتياج اسرائيل لتجديد المخازن العسكرية الأميركية المتمركزة في البلاد. هذا ويعتبر الدفاع عن البنية التحتية للطاقة سواء في الأرض أو في البحر مهمة أساسية.

- على الولايات  المتحدة أن تحذر الجيش اللبناني من عدم مساعدة حزب الله في أي حرب مستقبلية. مع العلم أنها طوّرت قدرات الجيش اللبناني حتى عند تواطئه مع حزب الله. إذ تتوقع إسرائيل من الجيش اللبناني مساعدة حزب الله في الحرب المقبلة، وفي هذه الحالة سيتم التعامل معها على أنها هدف عسكري شرعي. يجب أن تستفيد الولايات المتحدة من مساعدتها للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني من خلال قطع علاقته الملموسة التعايشية مع حزب الله.  كما يجب أن يستمر دعم الجيش اللبناني بشرط إنفصاله عن حزب الله.

- على الولايات المتحدة، عند إندلاع الحرب، تأخير وقف إطلاق النار لإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لإنهاء حملتها العسكرية.  ويجب أن لا تتأثر واشنطن من إنتقادات "القوى المتفاوتة"  أو المطالبة ب"ضبط النفس"  أو "عدم التصعيد" المستخدمة سابقًا. في هذا الصدد، سيكون من من المهم التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي ستكون حريصة بدورها على تسريع هزيمة حزب الله.

- على الكونغرس طلب تقرير من القوات الأميركية عن شبكة أنفاق حزب الله تحت الأرض في سبيل تشريع استهدافهم. ويجب أن يفسر التقرير إلى أي مدى تتضمن استراتيجية حزب الله استخدام المدنيين للأنفاق، وكيف تشكل إنتهاكًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة الحالية.

- على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات لضمان عدم مشاركة روسيا في الحرب المقبلة وتجنب الوصول إلى نتيجة من هذا الصراع لصالح تقوية الحصن الروسي "كرملين". وهذا يتطلب تغييرًا في موقف أمريكا تجاه روسيا، خصوصًا فيما يتعلق بسوريا وربما في أماكن أخرى بما فيهم أوكرانيا.

لن تمنع هذه التدابير الحرب من حدوثها. ولكن عند تنفيذها قد تساهم في تعزيز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط قبل وفي خلال الصراع الذي عملت واشنطن عقودًا لتجنبه.