»

أين كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية "بومبيو"؟

12 نيسان 2017
أين كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية "بومبيو"؟
أين كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية "بومبيو"؟

روبرت باري.ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

في الوقت الذي كان الرئيس ترامب يطلق ضرباته الصاروخية ضد سوريا، لم يكن أي من مدير وكالة الاستخبارات المركزية "مايك بومبيو" أو مسؤولو المخابرات الآخرين يجلسون على الطاولة. مما يشير إلى شكوكهم حول ذنب بشار الأسد، وفقًا لما أفاد به روبرت باري. 

يلف الغموض الصورة التي كشفها البيت الأبيض والتي تُظهر الرئيس ترامب مع أكثر من إثني عشر مستشار مجتمعين في منتجعه في "مار- أ-لاغو"  بعد قراره بضرب سوريا بصواريخ "توماهاك" ويظهر السؤال: أين مدير وكالة الاستخبارات المركزية "مايك بومبيو" وكبار مسؤولو الاستخبارات؟

قبل الكشف عن الصورة يوم الجمعة في 7 نيسان 2017، أخبرني مصدر أن بومبيو قد أطلع ترامب شخصيُا في 6 نيسان أن وكالة الاستخبارات المركزية تعتقد بأن الرئيس السوري بشار الأسد ليس مسؤولًا عن حادثة الغاز   السام القاتل في شمال سوريا قبل يومين، وبالتالي تم استبعاد بومبيو من الاجتماع عندما توصل ترامب إلى قرار مخالف.

في ذلك الوقت، أصبح لدي شكوكًا حول المعلومات منذ إعلان وزير الخارجية ريكس تيلرسون وكبار المسؤولين الأميركيين بثقة تامة عن مسؤولية الأسد بحادثة الغاز السام. وبالنظر إلى تلك الثقة الواضحة اعتقدت أن بومبيو ووكالة الاستخبارات المركزية قد وقعوا على إدانة الرئيس الأسد على الرغم من معرفتي أن بعض المحللين الاستخبارتيين لديهم آراء مختلفة، إذ يروون الحادثة إما تسربًا غير مقصود للمواد الكيميائية أو حيلة متعمدة من متمردي  "القاعدة" لابتزاز الولايات المتحدة الأميركية لمهاجمة سوريا.

في الوقت التي كانت تتصرف إدارة ترامب بغرابة في أشهرها الأولى، كان من الصعب لدي تصديق أن ترامب قد استمع إلى وجهة نظر وكالة الاستخبارات المركزية ثم إستبعاد المدير من الإجتماع الأكبر قبل شن الضربة العسكرية على دولة لا تهدد أميركا.

بعد الهجوم على سوريا بـ 59 صاروخ "توماهاك"، مسفرًا عن مقتل سبعة أشخاص بينهم أربعة أطفال وفق مسؤولين سوريين، ألقى ترامب خطابًا أمام الشعب الأميركي معلنًا فيها بشكل قاطع:

"يوم الثلاثاء، شن الديكتاتور السوري بشار الأسد هجومًا مروعًا بأسلحة كيميائية على مدنيين أبرياء. باستخدام غاز الأعصاب القاتل، انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة. كان موتا بطيئا ووحشيا بالنسبة للكثيرين. حتى الأطفال الجميلون قتلوا بوحشية في هذا الهجوم الهمجي للغاية. يجب ألا يعاني أي من أطفال الرب مثل هذا الرعب أبدا. "

بقدر ما استفاد ترامب سياسيًا من خلال العمل بعدوانية في مهاجمة سوريا، وبالتالي كسب الثناء حتى من أقسى منتقديه، بقدر ما وجدت صعوبة في تصديق فكرة تجاهل وجهات نظر المجتمع الاستخباراتي في الولايات المتحدة حول قضية حرب أو سلام.

لذلك وضعت ما سمعت جانبًا من المصدر عن اجتماع بومبيو وترامب المتضارب كنوع من الحكايات التي قد يرويها شخص يفتقر إلى المعرفة المباشرة ولا يملك كل المعلومات الصحيحة.

بعد كل شيء تقريبًا في كل حالة مماثلة قمت بتغطيتها على مدى عقود، فقد اتخذ مدير وكالة الاستخبارات المركزية ومدير الاستخبارات المحلية دورًا بارزًا في اتخاذ القرارات التي تعتمد بشكل كبير على تقييمات المجتمع الاستخباراتي وعمله.

على سبيل المثال، يظهر في الصورة  الشهيرة للرئيس أوباما وفريقه مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ليون بانيتا حيث العيون كلها شاخصةً عليه وذلك في خلال انتظار نتائج شن غارة لقتل مسؤول القاعدة أسامة بن لادن في عام 2011.

وحتى عندما تقدم الحكومة الأميركية معلومات مغلوطة مثل خطاب وزير الخارجية الأميركية "كولين باول" في عام 2003 باعتماد الدليل الوافر باخفاء العراق لأسلحة دمار شامل، وقد كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تانيت جالسًا خلف باول لإعطاء مصداقية للإفتراء.

على الطاولة

ولكن في صورة ترامب مع مستشاريه، لا يظهر أي من المجتمع الاستخباراتي في الإطار. إذ يظهر فحسب  ترامب ووزير الخارجية تيلرسون ومستشار الأمن القومي ماكماستر ورئيس موظفي البيت الأبيض رين بريبوس والمستشار الاستراتيجي ستيف بانون وصهر ترامب جاريد كوشنر ومجموعة متنوعة من المسؤولين الآخرين، بما في ذلك بعض المستشارين الإقتصاديين الذي كانوا في  "مار-أ-لاغو" في فلوريدا للإجتماع مع الرئيس الصيني شي جين بين.  

ومع ذلك، لا يظهر أي من بومبيو أو مدير الاستخبارات المحلي دان كوتس أو أي مسؤول آخر في الاستخبارات. إذ أبدت مجلة نيويورك تايمز استغرابها في طبعتها نهار السبت، وكتبت:" إذا كان هناك وكالة استخبارات مركزية ومتخصصون استخباراتيون  آخرون حوله... إنهم ليسوا في الصورة."

وهذا ما جعلني أتسائل عما إذا كان مصدري الأصلي يعلم شيئًا. وكان الإدّعاء أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية بومبيو قد أطلع ترامب شخصيًا على تقييم المحليين بأن قوات الأسد ليست مسؤولة، ولكن بعد ذلك، ومع تهميش بومبيو، أرسل ترامب نسخته الخاصة من المخابرات إلى كبار موظفيه.

وبعبارة أخرى فإن المسؤولين الآخرين لم يحصلوا على كلمة مباشرة من بومبيو بل تلقوا رواية خاصة من الرئيس. فهل اعتمد ترامب على ما كانت تبثه وسائل الاعلام من مزاعم بان النظام السوري يقف وراء حادثة خان شيخون بدلاً من ان يعتمد على المحللين الاستخباراتيين الامريكيين؟

بعد الهجوم، ادّعي وزير الخارجية تيلرسون، الذي لا يصنف مسؤولًا استخباراتيًا مؤسييًا ومع خبرته الضئيلة في عالم الاستخبارات، أن المجتمع الاستخباراتي في الولايات المتحدة يقيّم بـ"درجة عالية من الثقة" أن الحكومة السورية قامت بإسقاط قنابل غاز سامة على المدنيين في محافظة إدلب.

في حين تداخل تعليق تيليرسون مع الوصاية الرسمية التي شكلتها واشنطن على وجه السرعة من تذنيب الأسد، فمن الصعب تصديق أن محللين وكالة الاستخبارات المركزية قد استقروا على مثل هذا الاستنتاج الثابت بسرعة، لا سيما بالنظر إلى موقع الحادث البعيد وحقيقة أن المعلومات الأولية قادمة من المصادر المؤيدة للـمسلحين أو "القاعدة".

إن ذلك يطرح سؤالاً خطيراً عما اذا كان ترامب توصل الى استنتاجه عن تقييم بـ "درجة عالية من الثقة" لأجهزة الاستخبارات، أم هل قام بتهميش بومبيو من اجل إزالة عقبة أمام رغبته بتوجيه ضربة الى سوريا؟

إذا كان الأمر كذلك، فإن مثل هذا الخداع الخطير في أول شهرين من حكم ترامب قد يجيز إقالته من منصبه، اذ ان ترامب بالتالي يكون قد تجاهل رأي اجهزة الاستخبارات الامريكية كي يوجه ضربة عسكرية تحظى بشعبية سياسية ادت الى مقتل عدد من المواطنين السوريين.