»

الإرهاب في تركيا: دليل الحائرين

07 كانون الثاني 2017
الإرهاب في تركيا: دليل الحائرين
الإرهاب في تركيا: دليل الحائرين

درور زئيفي - منتدى الفكر الإقليمي "الإسرائيلي"

هناك عدة تنظيمات إرهابية ناشطة في تركيا، ذات أهداف مختلفة، جهات داعمة مختلفة، وطرق عمل خاصة ... وطالما تواصل الحكومة التركية تعاملها مع جميع التنظيمات كجبهة إرهابية واحدة بلا تمييز، وإضعافها لعمل القوات الأمنية وإعاقت وظيفة القضاء، ستفشل بالتالي في حربها على الإرهاب.

بات الوضع في تركيا مربكًا. بعد كل عملية إرهابية يبدأ المحللون فورًا في طرح التساؤلات- الأكراد؟ داعش؟ وربما تنظيم فتح الله غولن، الذي حظي سابقًا باختصارات خاصة به في تركية FETO (Fethullah’s Terror Organization).

هناك حتى حركة سرية ماركسية صغيرة تعمل ميدانيًا. يُنشئ النشاط الموازي لكل هذه التنظيمات الإرهابية سلسلة من العمليات الإرهابية المقلقة التي تقوّض الإستقرار في تركيا.

يبدو الأمر معقّدًا، ولكنه في الواقع بسيط جدًا. لدى كل واحد من هذه التنظيمات أجندة واضحة ومتفاوتة فيما بينها. إنّ تحديد الأهداف وطرق العمل سيمكننا من فصل هذه الخيوط المتشابكة.

نبدأ تحديدًا بالتنظيم الأخير، الأصغر والأقل أهمية. وهو الحركة السرية المعروفة باسم DHKP-C إختصارًا لـ "حزب التحرر الشعبي الثوري - جبهة" وهو بقايا راديكالية لحزب اليسار الثوري التركي المعروف بـ DEV-SOL) . ) تتوجه عملياتها الإرهابية بشكل أساسيّ ضدّ الشرطة وأجهزة القانون التركية، وكذلك ضدّ أهداف أمريكية. ففي السنوات الأخيرة حاولت، من بين أمور أخرى، ضرب السفارة الأمريكية في أنقرة والقنصلية في إسطنبول. وكما هو حال الكثير من التنظيمات الإرهابية الماركسية العريقة بات التنظيم ينفّذ العمليات لكل من يدفع ثمنًا أعلى.

إنّ تنظيم غولن (FETO)، هو ليس تنظيمًا إرهابيًا على الإطلاق. يدّعي الكثيرون في تركيا وخارجها أنّ رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة بنى منظومة مؤيدين من أجل السيطرة على تركيا. ربما يكون ذلك صحيحًا.

تسلل أعضاء التنظيم - الذي يسمي نفسه Hizmet (الخدمة بالتركية) - من خلال عمل بطيء وشمولي إلى مناصب رئيسية في الدولة من بينها الشرطة، منظومة القضاء وحتى في الجهاز الحكومي الرفيع، ولكن في بداية عام 2014 بدأ بطرد العديد إلى الخارج كما سُجن الكثير منهم بعدما انهارت إجراءات الكشف عن الفساد الكبير الحاصل في القيادة ومحاولة إسقاط الحكومة.

شارك ضباط، تم تعريفهم كأعضاء في تنظيم غولن، في محاولة الإنقلاب في تموز، ولكن وفق كل الشهادات، يدور الحديث حول حزب واحد فقط إلى جانب بعض المجموعات الساخطة في الجيش، وربما تعمل أيضًا دون موافقة القائد.

حتى اليوم لا تعرف ولا حادثة واحدة فيها إثبات واضح ومقنع حول مسؤولية التنظيم عن العمليات الإرهابية. رغم ذلك، إدّعت السلطات في تركيا أنّ قاتل السفير الروسي عضو في  FETO، ولكنه اعتمد على أدلة غير مثبتة لذلك لم يقتنع به أحدًا. من المرجح أنّ أردوغان سيستمر في اتهام صديقه السابق في كل حادثة إرهابية لم يتم فك رموزها.

أما الأكراد، المجموعة الثالثة في القائمة، هم ليسوا مجموعة متجانسة حتى عندما يتعلق الأمر بعمليات إرهابية. عدّل تنظيم الـ PKK حزب العمّال الكردستانيّ، الذي بدأ طريقه كحركة سرية ماركسية، عن أيديولوجيّته نوعًا ما على مر السنين، ولكنه لا يزال يشكّل تهديدًا كبيرًا على السيادة التركية في شرق الأناضول. بعد انهيار العملية السياسية قبل نحو عام ونصف بدأت حرب داخلية شاملة بين الجيش والشرطة التركية وبين القوات الكردية التي تعمل بشكل سري. إلى جانب القتال المباشر ضدّ الجيش التركي (والذي أضرّ كثيرًا بالمدن والقرى الكرديّة في شرق البلاد) يمتلك هذا التنظيم ذراعًا للعمليات الإرهابية، الذي يعمل بشكل أساسي ضدّ القوى الأمنية في شرق الأناضول.

في عام 2004 بدأت تعمل حركة سرية كردية جديدة تحت اسم  TAK، إختصارًا لصقور حرية كردستان، والتي انشقت عن الـ PKK على خلفية استعداد الحركة القديمة بالتوصل إلى تسوية سياسية مع تركيا. هناك من يدعي أنّ هذا التنظيم ليس سوى تغطية لعمليات مثيرة للجدل لـ PKK، ولكن الأرجح أنّه فرع متطرف للحركة السرية. في السنوات الأخيرة، تنفذ حركة "الصقور" معظم العمليات الإرهابية في تركيا. أهدافها الإرهابية بشكل أساسيّ هي عناصر الجيش والشرطة، وتشكل السيارات المفخخة التي قتلت عناصر شرطة قرب إستاد باشيكتاش والجنود في الشاحنة في مدينة قيصرية في الأسابيع الماضية أمثلة واضحة على ذلك. وإلى جانب هذه الأهداف، تشمل  هذه الحركة السرية أيضًا مكاتب الحكومة والإدارات المحلية، بشكل أساسيّ في الشرق، وكل المتعاونين مع الحكومة التركية في أوساط القرويين الأكراد.

المجموعة الرابعة، داعش، وهي ليست انتقائية في اختيار أهدافها، كما نعلم جيدًا، ولكنها تبذل تفكيرًا استراتيجيًا في اختيار أهدافها أيضًا. ففي السنوات الأخيرة نفذت كل عملياتها تقريبًا ضدّ مدنيين. أهداف التنظيم هي أولًا زيادة التوتر بين الحكومة التركية وبين الأكراد. كانت تهدف العملية في المدينة الحدودية الريحانية وسلسلة العمليات في مدينة ديار بكر إلى الإضرار بالأكراد وزيادة عدم الثقة بينهم وبين الحكومة. هكذا تكون مكاسب داعش مزدوجة- إضعاف الجبهة الكردية ضدّها، وتوجيه الجهود التركية إلى نحو التعامل مع التمرّد الكردي. قصر النظر المأساوي أدى إلى مساعدت الحكومة التركية لتنظيم داعش في المراحل الأولى، وتجاهلت عملياتها سامحة لها بالتموضع في تركيا. بل هناك من يدعي أنّها استخدمتها لتنفيذ عمليات معينة ضدّ خصوم داخليين. وفقط حتى عام 2015، وتحت ضغوط غربية، غيرت الحكومة سياستها وبدأت بمكافحتها.

إلى جانب الهدف الواضح بالإضرار في العلاقات الكردية التركية، يسعى عناصر داعش إلى الإنتقام من الحكومة التركية التي أصبحت عدوّا والإضرار بالأمن الشخصي في تركيا، في الاقتصاد والسياحة. العملية الضخمة التي حصلت في أنقرة قبل نحو عامين، والعمليات في شارع الاستقلال وفي ميدان السلطان أحمد في إسطنبول، والعملية الأخيرة في ملهى رينا في إسطنبول هي جزء من تلك الإستراتيجية.

لكل هذه التنظيمات مصلحة في استمرار بالإضرار بالدولة التركية، ولكن لكل واحد منها أهدافه الخاصة، جهة دعم مختلفة، وطرق عمل خاصة. وطالما استمرت الحكومة التركية في عرض جميع التنظيمات كجبهة إرهابية واحدة دون التمييز بينها، وتقويض عمل الشرطة، الجيش والنظام القضائي، واعتقال المشتبه بهم على أساس إرتياب لا أساس له من الصحة، فستفشل في محاولتها بناء إستراتيجية واضحة لمعالجة هذه التهديدات الإرهابية.