»

بيئة إسرائيل الاستراتيجية في السنوات 2011 – 2015 وتوصيات للسياسة الإسرائيلية في السنوات 2016 - 2020

21 كانون الثاني 2016
بيئة إسرائيل الاستراتيجية في السنوات 2011 – 2015  وتوصيات للسياسة الإسرائيلية في السنوات 2016  - 2020
بيئة إسرائيل الاستراتيجية في السنوات 2011 – 2015 وتوصيات للسياسة الإسرائيلية في السنوات 2016 - 2020

عاموس يادلين (رئيس سابق للاستخبارات العسكرية، وحالياً رئيس معهد دراسات الأمن القومي) _ تقديرات استراتيجية لإسرائيل 2015-2016 "معهد دراسات الأمن القومي"، تل أبيب، 2016، ص 141-152. ترجمه عن العبرية: سليم سلامة. راجع الترجمة: أحمد خليفة.

بيئة إسرائيل الاستراتيجية في السنوات 2011 – 2015
وتوصيات للسياسة الإسرائيلية في السنوات 2016  - 2020   

  
يمكننا الآن، مع انقضاء العام 2015 وبعد خمس سنوات من اندلاع أحداث "الربيع العربي"، تشخيص وتحديد عدد من التطورات الأمنية والسياسية التي تؤثر على أمن إسرائيل القومي وتستلزم بلورة استراتيجية عليا للسياسة الإسرائيلية في مجالي الأمن والخارجية للسنوات الخمس المقبلة.  
  
تشخيص أول  - ضعف الدول العربية إلى حدّ تفكك دول أساسية  
• لا تزال الهزة الإقليمية التي بدأت في العام 2011 بعيدة عن نهايتها ويبدو أن سنوات عديدة ستمر قبل أن تعود المنطقة إلى الاستقرار. وثمة دول عربية كثيرة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. وقد بلغت حالة عدم الاستقرار في خمس دول منها درجة تفكك الدولة وفق خطوط مذهبية، طائفية، دينية، قومية وقبلية، بل تجاوزت ذلك إلى حروب أهلية أيضاً. وبدلاً من الدول التي كنا نعرفها حتى العام 2011، وإلى جانبها، تظهر كيانات وعناصر قوة جديدة لا تنحصر هوياتها في قومية ودولة. وقد تحول الشرق الأوسط إلى منظومة معقدة ومتعددة اللاعبين مكونّة من هويات مسلحة وعنيفة، وإلى ساحة صراع وحروب بين قوى عظمى إقليمية بواسطة وكلاء (proxy). كما تحولت هذه الدول، في بعض الحالات، إلى ساحة تدخل مباشر من جانب قوى عظمى دولية. في سورية، والعراق، واليمن، والسودان وليبيا، تستعر حروب  أهلية، ونرى في الحالتين الأوليين (سورية والعراق) تدخلاً مباشراً من جانب قوى عظمى إقليمية وأخرى عالمية. ومن الصعب الافتراض بأن هذه الدول ستكون قادرة على استعادة وحدتها الداخلية مستقبلاً. وربما تغدو التجزئة في بعضها واقعاً ثابتاً ودائماً غير مستقر، وربما تنشأ في أخرى أطر فيدرالية هشة، إذا ما غلب الإصرار على الإبقاء والمحافظة على حدود وهويات دولتية سابقة. ويمثل ضعف الدول وتفككها، إلى حد كبير، تفسيراً لعدد من التطورات التي سنتطرق إليها لاحقاً.  

تشخيص ثانٍ  - تنظيم "الدولة الإسلامية" كأحد اللاعبين  المركزيين المؤثرين في التطورات في الشرق الأوسط  
•    اخترق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الوعي العام في سنة 2014 كحركة سلفية - جهادية انفصلت عن تنظيم "القاعدة" واحتلت أجزاء واسعة في سورية والعراق. ولدى هذه الحركة طموح مشبع بهوسَ العظَمة يتمثل في السعي إلى تغيير النظام القائم في المنطقة، ثم في العالم بأسره لاحقاً. وقد تبنت الحركة فكرة إنشاء قاعدة دولتية - خلافة - ومبادىء سلوك استثنائية في مدى وحشيتها. وأتاح الفراغ الدولتي في سورية للحركة فرصة تنظيم نفسها، والاستيلاء على أجزاء واسعة من سورية وشمال غرب العراق وإعلان الخلافة الإسلامية. ويضع تنظيم "الدولة الإسلامية، بأفعاله هذه، جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين أمام تحد كبير ويزيد في تعقيد نسيج الخصومات في الشرق الأوسط. وقد أقسمت حركات إرهابية إسلاموية في كل من شبه جزيرة  سيناء، ليبيا، نيجيريا وأفغانستان يمين الولاء لزعيم التنظيم وأعلنت نفسها ولايات تابعة للدولة الإسلامية.  
•    وقد أثبت تنظيم "الدولة الإسلامية"، خلال السنة الأخيرة، قدرته على استغلال قوة الجذب التي تتمتع بها أيديولوجيته التي يدأب على نشرها في المجتمعات الإسلامية في أرجاء العالم كافة. ولدى التنظيم تيار دائم التدفق من المتطوعين الذين يلتحقون بصفوفه للإنخراط في المعارك على الأراضي السورية والعراقية. وبالإضافة إلى ذلك، ينتشر "خريجو" التنظيم في العالم ولديهم قدرة على إنشاء خلايا نائمة في دول منشئهم.  
•    مع اقتراب نهاية العام 2015، بدا  تنظيم "الدولة الإسلامية" فيهاكأنه قد جرى صده وكبحه تقريباً في جميع الجبهات التي كان يحارب فيها،وتراجع في العراق وسورية. لكن مع ذلك، أثبت التنظيم قدرة لافتة على التأقلم مكنّته من شن هجمات إرهابية استخدم خلالها بعض الخلايا النائمة والتنظيمات المحلية، ضد دول عظمى ودول إقليمية اتحدّت، من وجهة نظره، بغية محاربته. 
هذه هي الطريقة التي اعتمدها التنظيم في الهجمات الإرهابية التي نفذها في تركيا وفرنسا، كما في إسقاط الطائرة الروسية في سيناء أيضاً.  
•    كان من بين نتائج وآثار انكشاف تنظيم "الدولة الإسلامية" المتزايد أمام العالم ومعرفة نمط ممارساته العنيفة، أن صعدّت دول عديدة، من بينها الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية، من ضغوطاتها عليه. ونتيجة لهذا التصعيد يفقد التنظيم سيطرته على مناطق واسعة ومصادر دخل، فضلاً عن تعرض سلسلة القيادة فيه للهجمات بصورة منهجية. وبالرغم من عدم رغبة الدول العظمى المشاركة في القتال في إيفاد قوات برية إلى ساحات الحرب، إلا أن الغارات الجوية، والقدرات الجديدة التي أبداها الجيش العراقي في الرمادي والضغط البري الذي مارسته قوات التحالف الروسي - الإيراني في سورية توحي باحتمال فقدان التنظيم، في نهاية المطاف، القاعدة الجغرافية التي يقف عليها. لكن قوة الجذب الأيديولوجية التي يتمتع بها التنظيم، والواقع السياسي في العراق وسورية - حيث يشعر المسلمون السنةّ في هاتين الدولتين بأنهم يتعرضون إلى الإقصاء عن مؤسسات الدولة وللاضطهاد الاقتصادي مما يجعلهم محبطَين - يستمران في تشكيل قاعدة واسعة لتأييد "الدولة الإسلامية" وتجنيد المقاتلين. ويصح الافتراض أنه حتى بدون توفر مثل هذه القاعدة الجغرافية، لا تزال لدى هذا التنظيم قوة كامنة تؤهله للنهوض من بين الرماد، في مرحلة مستقبلية لاحقة. ومعنى هذا كله أن تنظيم "الدولة الإسلامية" سيبقى، خلال السنوات القريبة القادمة، لاعباً هاماً ومركزياً، في الشرق الأوسط وخارجه.     
  
  
تشخيص ثالث  - الدول    العظمى عادت إلى النشاط العسكري  في المنطقة، لكنها تحاذر التورط في عمل بريّ  
•    يعود العالم، الذي انتقل إلى واقع القطبية الأحادية في أواخر القرن العشرين،ليكون متعدد الأقطاب خلال السنوات الأخيرة، وإنْ تكن الدول العظمى غير متكافئة القوة الاقتصادية والعسكرية. لكن اختلاف السياسات والقيادات في الدول العظمى ينجم عنهما أشكال من التدخل في الشرق الأوسط مختلفة عما كان عليه الحال في الحرب الباردة في القرن الماضي. وهكذا، يمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تجدا نفسيهما في الخندق ذاته في مواجهة "الدولة الإسلامية"، وعلى طرفيّ نقيض في مسألة بقاء نظام الأسد واستمراره. 
•    فالولايات المتحدة، التي بدأت تتراجع عن التدخل العسكري المباشر في العراق في بداية العقد الحالي، وجدت نفسها مضطرة إلى الرجوع إلى المنطقة لقيادة تحالف دولي ضد "الدولة الإسلامية". لكن هذه العودة تفتقر إلى استراتيجية مبلورة ومدعّمة بموارد والتزامات، ما جعل نجاحها محدوداً للغاية. 
•    وقد عززت الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس من دوافع الدول الأوروبية للانضمام إلى الجهد العسكري والانخراط في أنشطته في الشرق الأوسط، غير أن تصعيد أعمالها لا يغير شيئاً في موازين القوى، نظراً لقدرتها العسكرية المحدودة. وبعد عام ونصف العام لم ينجح خلالها التحالف إلاّ في إرغام تنظيم "الدولة الإسلامية" على القيام بانسحاب جزئي، عادت روسيا إلى الشرق الأوسط من خلال عملية عسكرية أشد تصميماً شملت نشر قوات روسية في سورية وشن غارات جوية مكثفة وعلى نطاق واسع جداً. لكن الروس أيضاً لم يرسلوا قوات برية، بل يعتمدون على الجيش السوري، ومليشيات شيعية، وقوات إيرانية وعلى "حزب الله"، ولم ينجح هؤلاء أيضاً في إحداث تغيير حاسم في ميزان القوى، رغم الإسناد الجوي الروسي. وقد أدى تدخل الدول العظمى العسكري في بيئة معقدة ومتعددة الأطراف المتنازعة إلى نشوء خارطة قتالية غير مستقرة، يمكن أن تتصاعد أية حوادث تكتيكية تقع فيها إلى مواجهة استراتيجية لا أحد معني بها أو يرغب فيها (إسقاط تركيا طائرةً روسية أخرى يمكن أن يؤدي إلى صدام بين روسيا وحلف الناتو).  
•    تنبغي الإشارة إلى أن للتدخل الروسي دلالات ورسائل تتجاوز حدود المنطقة. 
ذلك أن هذا التدخل يعكس نظرة روسية عالمية تشمل رغبتها في العودة إلى احتلال مكانة قوة عظمى، والمواجهة مع أوروبا والولايات المتحدة بشأن شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، وتمدد حلف الناتو وتوسعه شرقاً ونشر منظومات دفاعية مضادة للصواريخ في أوروبا.  
•    يشكل التحالف الروسي - الإيراني - السوري ومساهمته في تعزيز المحور الراديكالي المعادي لإسرائيل، في المنظور الإسرائيلي، تطوراً إشكالياً. ورغم أن تجنب الاحتكاك مع روسيا، من جهة، والتنسيق معها بشأن النشاط الإسرائيلي في سورية، من جهة أخرى، يمثلان هدفين في غاية الأهمية، إلا أنه يتعين عدم السماح بأن يغطيا على الوجهة السلبية المتمثلة في ازدياد قوة إيران وحزب الله.   

تشخيص رابع  - بعد الاتفاق النووي مع إيران، بقيت إسرائيل  وحيدة في مواجهة اتفاق إشكالي، لكنها "تكسب" الوقت  
•    بعد عقد كامل من التقدم الإيراني البطيء، الثابت والمستمر نحو عتبة صنع القنبلة النووية، وصل التقدم إلى مسافة شهرين فقط من إنتاج مادة انشطارية كافية لصنع قنبلة نووية واحدة، ولكنه أوقف في  في أعقاب الاتفاق المرحلي (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013)، وأُرجع إلى الوراء في الاتفاق النهائي مع الدول العظمى (تموز/ يوليو 2015)، بحيث صارت إيران تحتاج إلى سنة لإنتاج مادة انشطارية لصنع قنبلة أولى. إن الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه إشكالي جداً، خاصة في المدى البعيد (بعد عشر سنوات - خمس عشرة سنة)، إذ أنه يمنح إيران شرعية لمشروع نووي واسع وكبير جداً يمكّنها من الاختراق، أو "التسلل"، لامتلاك قنبلة نووية خلال فترة زمنية قصيرة جداً. 
ولكن في غضون ذلك، يمنح الاتفاق إسرائيل وقتاً للاستعداد وتطوير قدرات إحباطية سرية وعسكرية في المدى البعيد.    
•    ويؤثر الاتفاق أيضاً في تزاي المخاطر الأخرى، خارج نطاق المجال النووي. 
ففي أعقاب تخفيف الضغوط ورفع العقوبات عن إيران، ستتوفر لديها موارد كثيرة سيتم استغلالها في نشاطات  إرهابية، وفي عمليات التآمر والتعاظم العسكري التقليدي. ويتوقع أن يشمل هذا التعاظم امتلاك منظومات أسلحة متقدمة    مُشتراة    من روسيا والصين، بل ومواصلة تطوير الصناعات الحربية المحلية في إيران نفسها. كما يثير الاتفاق، أيضاً، مخاوف حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة (إسرائيل، العربية السعودية، تركيا ومصر) منأن تبتعد الولايات المتحدة عنهم وتنعطف باتجاه إيران على حسابهم. ورغم أن هذه المخاوف لم تتحقق حتى الآن، إلا أن هذه الدول ستواصل متابعة ومراقبة السلوك الأميركي حيال إيران. وسيتعين على إسرائيل، أيضا ً، الاستمرار في مراقبة ظاهرة تزايد البرامج النووية المدنية في الدول العربية، والتي قد تكون ردة فعل على المشروع النووي الإيراني، بل ومحاولة لتطوير بنى تحتية تتيح الانتقال إلى برامج عسكرية مستقبلاً.   

تشخيص خامس – يوجد لإسرائيل وللعالم السني البراغماتي  - مصر،  
الأردن، العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى  - مصالح متطابقة عديدة  
•    تعتبر إسرائيل والعالم السني البراغماتي الدول في هذين الطرفين إيران الشيعية الساعية نحو امتلاك سلاح نووي والطامحة إلى فرض هيمنتها على المنطقة - كما التنظيمات الإرهابية السنيةّ وفي مقدمتها "الدولة الإسلامية" أيضاً - مصدراً لمخاطر جسيمة على أمنها القومي، بل على وجودها. إن علاقات السلام والتعاون، في القضايا الأمنية تحديداً، بين إسرائيل والدول التي وقعت معها على معاهدات سلام، صمدت في امتحان الهزة الإقليمية، بل توثقت أكثر بفعل تعدد المصالح المشتركة. وتتطور مثل هذه العلاقات مع الدول الأخرى في المنطقة في قنوات سرية حتى الآن. ومع ذلك، فإن عدم التقدم على الجبهة الفلسطينية يجعل من الصعب الارتقاء إلى درجة أعلى وأكثر كثافة من التعاون، ناهيك عن تعاون علني.  

تشخيص سادس  - فشل جولة أخرى من المفاوضات مع الفلسطينيين حول  الحل الدائم. لا فراغ في الميدان، هناك "انتفاضة ثالثة" سلاحها الطعن والدهس  
•    تسود حالة من القطيعة التامة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني منذ فشل المفاوضات التي جرت بينهما بوساطة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. 
التوجهان الاستراتيجيان الفلسطينيان، المواجهة العسكرية التي قادتها حركة "حماس" من غزة، والنضال السياسي في الحلبة الدولية، لم يحققا للفلسطينيين أي تقدم    حقيقي نحو أهدافهم الوطنية. واكتشفت إسرائيل، التي    تمسكت بالوضع القائم وأملت في إدارة الصراع بتكاليف متدنية، أن النزاع هو الذي يديرها ووجدت نفسها في مواجهة انتفاضة مختلفة عن سابقتيها، تجري "على نار هادئة". هذا ليس إرهاباً منظماً، وإنما مبادرات فردية تحركها مشاعر اليأس، والإحباط من القيادة والرغبة في الانتقام وهذه تشكل معاً، أرضية خصبة للتحريض. هؤلاء الأفراد على استعداد للخروج إلى جولات من القتل باستخدام السلاح الأبيض والمركبات. ولم تشهد هذه الانتفاضة، حتى الآن، تصعيداً يتمثل في الانتقال إلى استخدام الأسلحة النارية أو عمليات تفجيرية واسعة، لكن لا تظهر عليها - في المقابل - علامات اضمحلال. والنتيجة، أن إسرائيل تدفع لقاء إدارة الصراع ثمناً يواصل الارتفاع باستمرار - بحياة البشر، وإلحاق الضرر بالسياحة والاقتصاد، وبتراجع مستمر لمكانتها في العالم. وتحاول حركة "حماس"، من جهتها، دهورة هذا الوضع الهشّ والمبادرة إلى تنفيذ عمليات انتحارية، دون نجاح حتى الآن، وذلك بفضل قدرات إسرائيل ومساهمة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في تفكيك وتدمير البنى التحتية للإرهاب "الحماسي" في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].  

تشخيص سابع  - تدهور إضافي آخر في مكانة إسرائيل  الدولية، وخاصة حيال أوروبا والولايات المتحدة  
•    المواجهة الشخصية والأيديولوجية بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة نتنياهو، واتهام إسرائيل بالمسؤولية عن فشل عملية السلام، والخلافات في الرأي والمواقف بشأن المستوطنات، والمواجهة العسكرية في غزة والتي أسفرت عن إصابة عدد كبير من المدنيين [الفلسطينيين]، والنظر إلى إسرائيل باعتبارها الطرف الأقوى، لكن الأقل أحقيةّ، في النزاع - هذه، جميعها، تسبب تآكلاً متواصلاً في مكانة إسرائيل السياسية والأخلاقية في العالم. وقرار الأوروبيين بقصر المنح البحثية من جانبهم على مناطق داخل "الخط الأخضر" فقط، كما توصية الاتحاد الأوروبي بوسم المنتجات الإسرائيلية التي يتم إنتاجها في مناطق ما وراء "الخط الأخضر"، هما مؤشران أوليان على المشكلة التي إذا لم تتم معالجتها فإنها تنطوي على احتمال تدهور إسرائيل إلى مكانة دولة 
"مثيرة للاشمئزاز". ويمثل تحول خطاب المقاطعة إلى خطاب شرعي في الساحة الدولية    جانباً إضافياً من جوانب هذه المشكلة ذاتها. صحيح أن    الإنجازات التي حققتها حركة المقاطعة، سحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، حتى الآن، كانت إنجازات محدودة، لكن خطر انتقال حركة المقاطعة من عالمالمنظمات غير الحكومية إلى قلب العالم الغربي المؤسساتي، بل وانتشارها في مؤسسات دولية، ينبغي أن يشعل ضوء أحمر في القدس.  

تشخيص ثامن  - تطورات داخلية في إسرائيل  تهدد مناعتها وتؤثر سلباً على مكانتها الدولية  
•    أقوال وتصريحات متطرفة من اليمين ومن اليسار، وإرهاب يهودي، ومظاهر عنصرية بعضها عنيف (ظاهرة "تدفيع الثمن"، قتل الفتى محمد أبو خضير في القدس وقتل عائلة دوابشة في بلدة دوما)، ومبادرات تشريعية موضع خلاف، إلى جانب انخراط عناصر من اليسار في حملة التحريض ضد دولة إسرائيل ـ هذه، جميعها، تقود إلى مزيد من الانقسام، والتجزئة والفئوية الآخذة في التعمق، والتي قد تسبب تآكل التماسك الإسرائيلي والمناعة الوطنية. وهي أيضاً تؤثر سلباً على مكانة إسرائيل الدولية، لأن صورتها، في العالم الغربي على الأقل، كدولة ديمقراطية غربية تحافظ على حقوق الإنسان وتجسد قيم الحضارة اليهودية - المسيحية الأساسية هي القاعدة المتينة للدعم الواسع الذي تحظى به.  

تشخيص تاسع  - التغيرات في مجال الطاقة هي في الجوهر  إيجابية لإسرائيل، [وينجم عنها] إضعاف أعدائها وقدرتهم  على تمويل تعاظم قوتها وتمويل الإرهاب والعتلات السياسية  
•    ينعكس انخفاض أسعار النفط في تأثيرات متباينة على إسرائيل، التي تستفيد، لكونها مستوردة، من تراجع الأسعار. ويشكل هذا، أيضاً، دفعاً للاقتصاد العالمي بتحريره من عبء التكلفة المرتفعة للطاقة، مما يشكل بالتالي دفعاً غير مباشر للاقتصاد الإسرائيلي وأسواقه في أرجاءالعالم. كما أنه يضُعف عدو إسرائيل المركزي، إيران، ويقلص قدرتها على دعم التآمر، والإرهاب، وبناء قوة عسكرية. إن "سلاح النفط" الذي يمتلكه العرب غير قابل للاستخدام ضد إسرائيل وحليفاتها، إلا أن أسعار النفط قد تكون تراجعت إلى مستوى متدن 
يشكل خطراً على الاستقرار الاقتصادي والمالي في دول عديدة    وعلى قطاعات اقتصادية وصناعية مركزية. ويمثل الخطر المحدق بحالة الاستقرار في العربية السعودية، وتفشي الفقر وتعمقه والركود الاقتصادي في الشرق الأوسط انعكاسات إشكالية للهبوط في أسعار النفط.  
•    أما من ناحية إسرائيل، فإن استخراج الغاز الإسرائيلي من البحر المتوسط يسهم في ترسيخ وتعزيز ومكانتها الاستراتيجية واستقلالها في مجال الطاقة. 
ومع ذلك، اتضح أن قدرة إسرائيل على استخدام تصدير الغاز إلى دول شرق أوسطية كأداة لدفع مصالحها وأهدافها الاستراتيجية قدماً ليس أمراً بديهياً، سواء بسبب معوقات داخلية في إسرائيل أو بسبب حالة الإشباع التي وصلت إليها سوق الغاز العالمية.    

تشخيص عاشر  - الخطر على إسرائيل  أصبح أكثر تنوعاً ومتعدد الأبعاد  
•    لئن كان الخطر العسكري يتمثل في السابق، في معظمه ومصدره، في جيش عدو تقليدي، فقد أصبح التهديد اليوم هجيناً وفي مركزه الدمج بين الإرهاب المتعدد الأبعاد وحرب العصابات التي تستخدم وسائل الجيوش النظامية. 
وثمة أيضاً "تهديدات ناعمة" في مجال الشبكة العنكبوتية، وحرب إعلام وحرب قانونية، تستهدف نزع الشرعية عن دولة إسرائيل وفرض المقاطعة عليها. وإلى جانب المخاطر الجديدة هذه، من الضروري أن ندرك أن التهديدات العسكرية الكلاسيكية لم تختف، وأن التنظيمات الإرهابية الهجينة، وإيران، يتزودان بأسلحة متقدمة دقيقة وطويلة المدى - أرضية وجوية وبحرية - يمكن استخدامها ضد إسرائيل في سيناريوهات مختلفة. وحيال هذا، يتعين على الجيش الإسرائيلي الاستعداد للمواجهة ولتقديم الردود على هذه المخاطر والتهديدات المعقدة والمتضافرة.  

تشخيص حادي عشر  - مصدر قوة ومعرفة جديد –  شبكات التواصل الاجتماعي  
•    أصبحت فايسبوك، تويتر، يوتيوب، ووتش أب وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، البيئة الاجتماعية الأكبر في الشرق الأوسط. أكثر من تسعين مليون 
عربي    يستخدمون    هذه الشبكات الاجتماعية اليوم، أي ما يعادل    نحو 35% من مجموع السكان العرب في منطقة الشرق الأوسط. وينشط مستخدمو الشبكات الاجتماعية 24 ساعة يومياً، دون توقف، سبعة أيام في الأسبوع. وفي عالمنا هذا، حيث المعرفة قوة، حطمت شبكات التواصل الاجتماعي احتكار المعرفة وأصبحت المنصّة المعلوماتية الأكبر في العالم، ووضعت المعلومات في متناول كل من يريدها ويطلبها، وبالمجان. وتساهم هندسة الشبكة والقدرة على إنشاء صفحات جديدة في الحد من قدرة النخب السلطوية والمثقفة والأمنية على السيطرة والتحكم بالمضامين وبالمعلومات التي يتعرض الجمهور الواسع لها. 
وفوق هذا، تمثل شبكات التواصل الاجتماعي المجال الديمقراطي والمتساوي الوحيد في الشرق الأوسط، ويمكن من خلالها رؤية وسماع رغبات وطموحات الشباب، والنساء، والأقليات، وهي الفئات التي تشكل، معاً، أغلبية ساحقة من سكان الشرق الأوسط. ورغم حقيقة كونها أغلبية الجمهور، إلا أن صوتها لا يزال غير مسموع وهي لا تحظى بتمثيل سياسي حقيقي ولائق خارج هذه المنصات. إن شبكات التواصل الاجتماعي هي المكان الوحيد الذي لا حدود جغرافية فيه، مما جعل الرقابة على الأفكار والآراء، أو دفنها، أمراً غير ممكن.  
•    إن الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، والحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وحتى موجة الإرهاب الأخيرة - عمليات الطعن والدهس – تدل على أنه بالإمكان اليوم تصفية إرهابيين وتدمير بنى تحتية سياسية لهم، لكن أحداً لم ينجح حتى الآن في "قتل" الإنترنت والشبكات الاجتماعية، ولذا ليس في مقدور الحصار، السور أو السياج وقف تيار الأفكار والآراء المتدفق عبر الشبكة العنكبوتية خارج نطاق الحدود المغلقة بإحكام. والواقع أن الشبكة العنكبوتية انتصرت على الإذاعات والمساجد بقدرتها على تحريك الأشخاص والمجموعات ودفعها إلى الانتظام والعمل الفعلي. وهي الآن الوسيلة المثلى لترويج الآراء والمواقف والأفكار (تلقين) بين أوساط ومجموعات كبيرة ومختلفة، وهي رافعة التأثير الأكبر والأقوى في تشكيل الرأي العام في الشرق الأوسط وخارجه.      
  
  

تشخيص أخير - إسرائيل قوية عسكرياً، هناك انخفاض في التهديد العسكري  المباشر عليها، وهي ناجحة في تجنب مواجهات وحروب واسعة النطاق  
•    بالرغم من الحروب الأهلية في جوار حدود إسرائيل، وعدم الاستقرار الإقليمي، وتمركز منظمات إرهابية حول حدودها، وحتى مواجهات بوتيرة مرة كل سنتين في غزة، نجحت إسرائيل في عدم الانجرار إلى أتون حرب واسعة النطاق. 
فإحجامها عن مهاجمة إيران، وسياسة عدم التدخل في سورية، والسلام المستقر مع مصر والأردن، والانطباع الرادع بشأن قدراتها العسكرية - هذه جميعها أتاحت استمرار النمو الاقتصادي والاستقرار الاستراتيجي. إن التهديد التقليدي المتمثل في الجيوش النظامية لدى الدول المجاورة قد اختفى تقريباً. 


وينبغي على إسرائيل، الآن، تركيز جهودها في الرد على التنظيمات الهجينة شبه الدولتية، ذات القدرات الإرهابية المتطورة، والقادرة على شن حرب عصابات في صلبها استخدام القذائف والصواريخ.  
•    في المقابل، تبقى إسرائيل، القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط، والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، وهي تمتلك القدرات الهجومية والدفاعية الأفضل. ومع ذلك، لدى الجمهور الإسرائيلي توقعات كبيرة جداً من جيشه، تحتم عليه مواصلة تعزيز قدراته باستمرار وتعميق الفجوة النوعية بينه وبين الخصوم المحتملين، بما يشمل تعزيز قدراته الدفاعية والهجومية في عدة جبهات، بما فيها الجبهة الداخلية، ومقابل تهديدات متعددة ومتنوعة. ويشير التغيير الحاصل في خارطة التهديدات أيضاً إلى أن إحدى المعارك الأساسية المقبلة ستكون "معركة ما بين الحروب"، التي تعلو أهميتها نسبياً على أهمية الاستعداد لحرب مستقبلية غير واضحة المعالم والسمات.      
•    حيال هذه الرؤية والتشخيصات المركزية، يتعين على القيادة السياسة والعسكرية في إسرائيل بلورة استراتيجية محدثَّة للسنوات الخمس المقبلة. وفي العالم الذي يتعرض لتغييرات جذرية، وفي المنطقة المشبعة بعدم اليقين والتطورات الإشكالية، هنالك الكثير من المنطق في اعتماد سياسة تسعى إلى تجميد المسارات والقرارات إلى حين اتضاح الصورة الشاملة. وقد كانت هذه سياسة إسرائيل حقاً منذ بدايات "الربيع العربي". فقد اختارت حكومة إسرائيل استراتيجية الإبقاء على الوضع الراهن، معتبرةً نفسها "فيلاّ في غابة" يتعين 
عليها،    وتستطيع،    الانفصال عن محيطها. وبعد خمس سنوات من    الهزة الإقليمية، التي ستستمر نتائجها وتداعياتها غير المستقرة لزمن طويل مقبل،يمكن تحديد وجهات التغيير الأساسية، وبناء عليها بلورة سياسة شاملة، متعددة الأبعاد واستباقية تضمن موقفاً وأداء أفضل في مواجهة التحديات المستجدة أمام إسرائيل، كما يمكن تشخيص واغتنام الفرص الناجمة عن التطورات من حولنا.

وفيما يلي إحدى عشرة توصية وكلمة تلخيصية حول الاستراتيجية العليا التي يتعين على إسرائيل تبنيها:   

أولا ً - المسألة الإيرانية:  
•    قد تكون المسألة الإيرانية أزيحت عن جدول الأعمال الفوري، لكنها لا تزال تمثل تهديداً وجودياً محتملاً على إسرائيل، التي يتوجب عليها منع تسلح نظام متطرف يدعو إلى إبادتها بالسلاح النووي، والمهلة الزمنية الطويلة التي سيتم خلالها تجميد البرنامج النووي الإيراني، قبل أن تصبح إيران على مسافة سنة واحدة فقط لإنتاج قنبلة نووية، تتيح لإسرائيل مجالاً للتخطيط لخمس سنوات قادمة، وحتى لعشر سنوات. وينبغي أن تتوفر لدى إسرائيل خطة لبناء قوة تمكّنها من مواجهة السناريوهات المختلفة المحتملة - خرق الاتفاق، إلغاؤه أو اندفاع إيراني، علني أو سري، نحو صنع القنبلة. وينبغي على إسرائيل الاستعداد بحيث تكون هي التي تستغل هذه المهلة الزمنية بصورة أفضل، وأن تبني قدرات معززة وجديدة لمواجهة إيران، بكل أبعاد نشاطاتها.  

ثانياً  - على إسرائيل المبادرة إلى تفاهمات متوازية مع الولايات المتحدة، تتيح للدولتين الحليفتين تنسيقا ً مستمر اً في الموضوع الإيراني  
•    إسرائيل ليست شريكة في الاتفاق مع إيران، وسيكون من الصواب أن تتوصل إلى تفاهمات واتفاقات مع الولايات المتحدة بشأن جملة من القضايا الهامة. 
من المهم الاتفاق على رد فعل مشترك إزاء أي خرق للاتفاق النووي، وتعزيز وتكثيف التغطية الاستخباراتية حيال إيران، وعلى كيفية مواجهة الجوانب غير النووية المتعلقة بوجود إيران وأدائها في المنطقة (الإرهاب، التآمر والتخريب) والاتفاق على تعزيز أمن إسرائيل والمحافظة على تفوقها النوعي. ومن المهم أيضاً    وضع آلية خاصة للتنسيق الاستراتيجي تعقد في إطارها لقاءات منتظمة ومتقاربة للبحث في التطورات الحاصلة في إيران وفي أنشطتها وإجراءاتها، ومن ثم تنسيق التحركات في مواجهتها. ومثل هذه الآلية من شأنها أن تتيحالتصدي لاستمرار النشاطات الإيرانية المضرّة في المنطقة وإيجاد الطريقة الأنسب لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، حتى بعد إزالة جزء كبير من القيود بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. وفي موازاة ذلك، يجب السعي لمعرفة ما إذا كانت إيران بدأت بإجراء إصلاحات داخلية فعلية، وملاحظة أية تغييرات إيجابية في ممارساتها وتوجهاتها.  

ثالثا ً  - الإمكانية المركزية لإضعاف إيران هي في سورية  
•    تشكل سورية ممر إيران إلى العالم العربي، ومن خلالها تحافظ على علاقاتها مع "حزب الله" وتعزيز قوته، كما على علاقاتها مع مجموعات فلسطينية متطرفة. وعليه، فإن إضعاف نظام الأسد وإزالته هو مصلحة إسرائيلية واضحة. وهكذا فقط، يمكن إلحاق ضرر جسيم بإيران وحزب الله. ويتعين على إسرائيل إيجاد السبل المناسبة لدعم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف نظام الأسد ليتوقف عن كونه، في نهاية المطاف، عاملاً مسيطراً ومقرراً في سورية، إلى جانب الامتناع عن تقوية أطراف سنيةّ متطرفة، في مقدمتها "الدولة الإسلامية". ومن ناحية إسرائيل، بالإمكان معالجة هذه الأطراف بصورة تدريجية، مع مواصلة تفحص سلم الأولويات الصحيح. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، على إسرائيل تطوير واستحداث وسائل جديدة، أكثر إبداعية وفاعلية، بالتعاون مع حليفاتها الأقرب، مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية، وتركيا والعربية السعودية، التي هي أيضاً معنية بإقصاء إيران من سورية وتغيير نظام الأسد.  

رابعاً  - على إسرائيل الاستعداد عسكرياً وسياسياً لاحتمال  تفكك سورية واستمرار المواجهات فيها سنين طويلة  
•    ينبغي على إسرائيل أن تحرص على إضعاف أطراف المحور الراديكالي في سورية المستقبلية قدر الإمكان، وعلى إبعادها عن هضبة الجولان قدر المستطاع. وإذا ما تم تقسيم سورية، فالعناصر التي يمكن لإسرائيل التعاون معها    هي المنظمات السنيةّ المعتدلة والدول الداعمة لها، مثل العربية السعودية ودول    خليجية أخرى، والأردن وتركيا. وينبغي على إسرائيل أن تتفحص باستمرار ما إذا السعوديون والأتراك يدعمون العناصر السنية المعتدلة حقاً،    أم أنهم يكررون أخطاء الماضي في دعم عناصر متطرفة يمكن أن تندمج لاحقاً بتنظيم "الدولة الإسلامية" أو بتنظيم "القاعدة". وينبغي، في كل الأحوال، تفحص الوضع في هضبة الجولان ومحاولة وضع صيغة أمنية محدثة، سواء كاستمرار لاتفاقية فصل القوات القائمة، أو وفقاً لقواعد عمليانية وردعية جديدة ومختلفة، مقابل العناصر التي ستتموضع في الجانب السوري من هضبة الجولان.  

خامساً - على إسرائيل الاستعداد  لمواجهة عسكرية شاملة مع "حزب الله " 
•    كما ذكرنا سابقاً، تم تجميد المشروع النووي الإيراني لبضع سنوات، والجيوش النظامية المتواجدة حول حدودنا هي جيوش دول تربطنا بها معاهدات سلام، أو جيوش انسحقت جراء حروب أهلية طويلة. ولذا، فإن التهديد العسكري الأساس الذي تواجهه إسرائيل حالياً هو "حزب الله"، الذي يواصل تعزيز قوته من خلال التزود بأسلحة هجومية ودفاعية من إنتاج روسي، إيراني وسوري. 
ويغطي مدى القذائف والصواريخ التي يمتلكها هذا التنظيم مساحة إسرائيل بالكامل، علاوة على ارتفاع مستوى دقتها وقدرتها على التدمير، ناهيك عن أن "حزب الله" يطور قدرات هجومية يخطط، في إطارها، للسيطرة على مناطق في داخل إسرائيل. وحيال هذه التطورات، يتوجب على إسرائيل التأكد من امتلاكها ردوداً كافية، هجومية ودفاعية، ردعية وحاسمة، مقابل "حزب الله". وعليها النظر إلى "حزب الله" ولبنان باعتبارهما كياناً سياسياً واحداً في حال مهاجمة إسرائيل وأن تضرب مقومات البنى التحتية الوطنية في لبنان كجزء من المعركة الشاملة.  

سادسا ً - على إسرائيل المبادرة إلى القيام  بخطوات مستقلة في الساحة الفلسطينية  
•    سيكون من المناسب أن تبادر إسرائيل إلى خطوة شاملة تدفعها باتجاه صيغة الحل    المرغوب فيه من طرفها وتقربّها منه. ولدى إسرائيل أربعة مسارات 
محتملة ينبغي تجريب كل منها بالتوازي، أو بصورة متدرجة في حال عدم نجاح الخطوة السابقة: مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين سعياً إلى التوصلإلى حل دائم، التوصل إلى تسوية إقليمية بالتعاون مع الدول العربية المعتدلة، سلسلة من التسويات المرحلية إلى جانب التقدم في مواضيع قابلة للتطبيق. 
وإذا لم تنجح كل هذه المسارات، فعندئذ يتوجب عل إسرائيل اتخاذ خطوات مستقلة تفضي إلى تحديد وترسيم حدود الدولة المستقبلية، بطريقة استباقية فاعلة. وينبغي لهذه الخطة أن تشمل صيغة أمنية ملائمة، مع الاهتمام بتجنيد الدعم الدولي اللازم، وهو ما يمكن تحقيقه بعد أن تبدي إسرائيل مواقف معتدلة تجاه صيغة "حل الدولتين"، عبر القنوات الثنائية والمتعددة الأطراف. وتشكل هذه كلها شرطاً لا بد منه لأي خطوة مستقلة ناجحة.   
 
سابعا ً  - إعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة أخرى  مع غزة، بالاستفادة من دروس "الجرف الصامد" 
•    لا تستطيع إسرائيل السماح لنفسها بخوض مواجهة إضافية تستمر خمسين يوماً وتنتهي بتعادل استراتيجي في مواجهة الأضعف بين أعدائها. فإسرائيل، التي لم تنه المواجهة الأخيرة بردّ يمنع تعاظم قوة "حماس"، ملزمة بامتلاك وسائل فعالة لإنهاء المواجهة مع هذا التنظيم بسرعة أكبر وبنتائج أفضل من السابق، وينبغي خاصة إيجاد ردّ إسرائيلي يمنع تعاظم قوة "حماس" العسكرية بعد الجولة القتالية، ويحول دون جولة إضافية في المستقبل القريب. وفي المقابل، ثمة حاجة إلى خطوات وإجراءات غير عسكرية لتلافي المواجهة والحيلولة دون وقوعها، أو تأجيلها على الأقل. وينبغي القيام بذلك من خلال مساهمة إسرائيلية في تشكيل واقع اقتصادي - سياسي أفضل في غزة، يجعل من الصعب على "حماس" خرق وقف إطلاق النار.  

ثامناً  - الاستعداد لصراعات  ومواجهات واشتباكات غير دينامية  
•    الشبكة العنكبوتية، الحرب القانونية، صراع الأدمغة والآراء على شبكات التواصل الاجتماعي و"حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) تستلزم استعداداً جديداً، لتفعيل القوة - "قوة ناعمة". وهذه إحدى أشكال القوة، ولا يقل تأثيرها وأهميتها في القرن الحادي والعشرين عن تأثير وأهمية القوة الدينامية المتحركة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في الميدان.   
•    قضايا "تقرير غولدستون"، والتخوف من شكاوى ودعاوى ضد إسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ووسم المنتجات الإسرائيلية، ونشاط حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) والتحريض المنفلت على الشبكة العنكبوتية - هذه، كلها، تشير إلى نقطة ضعف واضحة في الأمن القومي الإسرائيلي. ومن الضروري تحليل مميزات "ساحة المعركة الناعمة" وملاءمة مبادئ القتال التقليدية وفقاً لها، مع بلورة وتطوير مبادئ وقواعد جديدة مشتقة من القدرات المتوفرة، ومن طابع المواجهة وأبعادها الجديدة. ومن الضروري تحديد الجهات التي ستقوم بمواجهة هذه التهديدات، وإذا تطلب الأمر – إنشاء هيئات جديدة مختصة. وينبغي أيضاً، وضع استراتيجية مناسبة وإحداث تغيير في رصد الموارد، وضمان الانسجام والتناغم بين عمل مركبّات "القوة الناعمة" ومركبّات "القوة الصلبة" التقليدية، التي تبقى الحاجة إليها قائمة كما كانت.      

تاسعاً  - تعميق التحالف مع الدول العربية البراغماتية  
•    يفتح الاستعداد لمواجهة تحديات وتهديدات مشتركة الباب أمام تعاون واسع بين دولة إسرائيل وبعض الدول العربية. ذلك أن تطابق المصالح يشكل قاعدة غير مسبوقة لإنشاء وتطوير علاقات وثيقة مع الكتلة السنيّة، من شأنها أن تخدم إسرائيل في المديين، القريب والبعيد على حد سواء. وثمة أهمية كبرى لكلا الجانبين في القدرة على الاستعداد المشترك لمواجهة الأخطار المتمثلة في التآمر الإيراني، وسعي إيران إلى إنتاج قنبلة نووية وفرض الهيمنة الإقليمية، علاوة على ما ستحصل عليه هذه الدول من دعم إسرائيلي في معركتها ضد "الدولة الإسلامية". ومع ذلك، فإن بناء هذه العلاقات مشروط بتحقيق تقدم في الساحة الفلسطينية.   
  
  
عاشراً - تحسين علاقات إسرائيل مع حلفائها،  وفي مقدمهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية  
•    يمكن لخطوات إسرائيلية بسيطة نسبياً تغيير الأجواء مع الدول الغربية. فتجميد مستوطنات معزولة واقعة خارج نطاق الكتل الاستيطانية، واتخاذ إجراءات لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، وفي الأساس تحرك سياسي وفق ما أشرنا إليه أعلاه – كل ذلك يمكن أن يحدث تغييراً مهماً في العلاقات ما بين إسرائيل والدول الحليفة. فحين يقتنع العالم بأن إسرائيل صادقة وجدية في توجهها نحو العملية السلمية ونحو "حل الدولتين"، سيعود الأمر عليها بفوائد سياسية واقتصادية.     
وأخيراً  - تجديد وترسيخ تفوق دولة إسرائيل الأخلاقي  
•    يتوجب على دولة إسرائيل العمل انطلاقاً من موقف أخلاقي متين - موقف يتحقق بعمل ويدل على التطلع نحو السلام، وإنهاء السيطرة على شعب آخر، والمحافظة على حماية مبادئ ديمقراطية ومتنورة في إدارة شؤون الدولة.  

الاستراتيجية العليا  
•    تملك إسرائيل القدرة على المناورة واكتشاف الفرص لتحسين ورفع مكانتها السياسية والأمنية والاستراتيجية، وخاصة بفضل التطورات العاصفة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة. ومن بين هذه التطورات: المهلة الزمنية في مسألة البرنامج النووي الإيراني، تهديد "الدولة الإسلامية" والإدراك الواسع في العالم، بل وفي الشرق الأوسط أيضاً، بأن القضية الفلسطينية ليست المسبب المركزي لأمراض المنطقة، وهذا كله يفتح الباب أمام عقد تحالفات ممكنة مع أطراف براغماتية في العالم العربي ويتيح بلورة استراتيجية عليا شاملة، استباقية وفاعلة.  
•    في مركز هذه الاستراتيجية الاعتدال والمرونة في الساحة الفلسطينية لمصلحة تعزيز العلاقة مع الدول العربية السنية البراغماتية، من جهة، وترميم وتوثيق العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، من جهة أخرى. ذلك أن مستوى أفضل من التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة من شأنه أن يتيح الاستعداد الجيد حيال إيران التي من المحتمل أن تتوصل إلى قدرة نووية عسكرية في المدى البعيد، وحيال تهديديّ "حزب الله" و"الدولة الإسلامية" في المدى القريب. 
وسيؤدي الدمج الصحيح بين القوة العسكرية الإسرائيلية والحنكة السياسية والشرعية الدولية إلى تعزيز قوة إسرائيل ومكانتها بما يؤهلها لمواصلة التصدي بنجاح لأي من سيناريوهات الأخطار المستقبلية، بل ولترسيخ حلول سلمية ثابتة ودائمة مع جيرانها.